وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا يستنكف عن عبادته ويستكبرون فسيحشرهم إليه جمعيا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يحدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) واعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات اليهود تكلم بعد ذلك منع النصارى في هذه الآية، والتقدير: يا أهل الكتاب من النصارى لا تغلوا في دينكم أي لا تفرطوا في تعظيم المسيح، وذلك لأنه تعالى حكى عن اليهود أنهم يبالغون في الطعن في المسيح، وهؤلاء النصارى يبالغون في تعظيمه وكلا طرفي قصدهم ذميم، فلهذا قال للنصارى (لا تغلوا في دينكم) وقوله (ولا تقولوا على الله إلا الحق) يعنى لا تصفوا الله بالحلول والاتحاد في بدن الانسان أو روحه، ونزهوه عن هذه الأحوال. ولما منعهم عن طريق الغلو أرشدهم إلى طريق الحق، وهو أن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وعبده وأما قوله (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) فاعلم أنا فسرنا (الكلمة في قوله تعالى (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح) والمعنى أن وجد بكلمة الله وأمره عن غير واسطة ولا نطفة كما قال (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) وأما قوله (وروح منه) ففيه وجوه: الأول: أنه جرت عادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إن روح، فلما كان عيسى لم يتكون من نكفة الأب وإنما تكون من نفخة جبريل عليه السلام لا جرم وصف بأنه روح، والمراد من قوله (منه) التشريف والتفضيل كما يقال: هذه نعمة من الله، والمراد كون تلك النعمة كاملة شريفة. الثاني: أنه كان سببا لحياة الخلق في أديانهم، ومن كان كذلك وصف بأنه روح. قال تعالى في صفة القرآن (وكذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا) الثالث: روح منه أي رحمته منه، قيل في تفسير قوله تعالى (وأيدهم بروح منه) أي برحمته منه، وقال عليه الصلاة والسلام إنما أنا رحمة مهداة فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من حيث أنه كان يرشدهم إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم لا جرم سمى روحا منه. الرابع:
(١١٥)