أن الروح هو النفخ في كلام العرب، فان الروح والريح متقاربان، فالروح عبارة عن نفخة جبريل وقوله (منه) يعنى أن ذلك النفخ من جبريل كان بأمر الله وإذنه فهو منه، وهذا كقوله (فنفخنا فيها من روحنا) الخامس: قوله (روح) أدخل التنكير في لفظ (روح) وذلك يفيد التعظيم، فكان المعنى: وروح من الأرواح الشريفة القدسية العالية، وقوله (منه) إضافة لذلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف والتعظيم.
ثم قال تعالى (فآمنوا بالله ورسله) أي ان عيسى من رسل الله فآمنوا به كايمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه إلها.
ثم قال (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم) وفيه مسألتان:
(المسألة الأولى) المعنى: ولا تقولوا إن الله سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم.
واعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا، والذي يتحصل منه أنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاثة، إلا أنهم وان سموها صفات فهي في الحقيقة ذوات، بدليل انهم يجوزون عليها الحلول في عيسى وفى مريم بأنفسها، والا لما جوزوا عليها أن تحل في الغير وأن تفارق ذلك الغير مرة أخرى، فهم وان كانوا يسمونها بالصفات إلا أنهم في الحقيقة يثبتون ذوات متعددة قائمة بأنفسها، وذلك محض الكفر، فلهذا المعنى قال تعالى (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا) فأما ان حملنا الثلاثة على أنهم يثبتون صفات ثلاثة، فهذا لا يمكن إنكاره، وكيف لا تقول ذلك وانا نقول: هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام العالم الحي القادر المريد، ونفهم من كل واحد من هذه الألفاظ غير ما نفهمه من اللفظ الآخر، ولا معنى لتعدد الصفات إلا ذلك، فلو كان القول بتعدد الصفات كفرا لزم رد جميع القرآن ولزم رد العقل من حيث انا نعلم بالضرورة أن المفهوم من كونه تعالى عالما غير المفهوم من كونه تعالى قادرا أو حيا.
(المسألة الثانية) قوله (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المبتدا على وجوه الأول: ما ذكرناه، أي ولا تقولوا الأقانيم ثلاثة. الثاني: قال الزجاج: ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة، وذلك لان القرآن يدل على أن النصارى يقولون: ان الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة، والدليل عليه قوله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) الثالث: قال الفراء ولا تقولوا ثم ثلاثة كقوله (سيقولون ثلاثة) وذلك لان ذكر عيسى ومريم مع الله تعالى بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين، وبالجملة فلا نرى مذهبا في الدنيا أشد ركاكة وبعدا عن العقل من