ففيه أقوال: الأول: روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
واعلم أن هذا بعيد لأن هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه، الثاني: وهو قول البصريين: أنه نصب على المدح لبيان فضل الصلاة، قالوا إذا قلت: مررت بزيد الكريم فلك أن تجر الكريم لكونه صفة لزيد، ولك أن تنصبه على تقدير أعني، وإن شئت رفعت على تقدير هو الكريم، وعلى هذا يقال: جاءني قومك المطعمين في المحل والمغيثون في الشدائد، والتقدير جاءني قومك أعني المطعمين في المحل وهم المغيثون في الشدائد فكذا ههنا تقدير الآية: أعني المقيمين اللاة وهم المؤتون الزكاة، طعن الكسائي في هذا القول وقال: النصب على المدح إنما يكون بعد تمام الكلام، وههنا لم يتم الكلام، لأن قوله * (لكن الراسخون في العلم) * منتظر للخبر، والخبر هو قوله * (أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) *.
والجواب: لا نسلم أن الكلام لا يتم إلا عند قوله * (أولئك) * لأنا بينا أن الخبر هو قوله * (يؤمنون) * وأيضا لم لا يجوز الاعتراض بالمدح بين الاسم والخبر؛ وما الدليل على امتناعه؟ فهذا القول هو المعتمد في هذه الآية.
والقول الثالث: وهو اختيار الكسائي، وهو أن المقيمين خفض بالعطف على (ما) في قوله * (بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) * والمعنى: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالمقيمين الصلاة، ثم عطف على قوله * (والمؤمنون) * قوله * (والمؤتون الزكاة) * والمراد بالمقيمين الصلاة الأنبياء، وذلك لأنه لم يخل شرع أحد منهم من الصلاة. قال تعالى في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ذكر أعدادا منهم * (وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة) * (الأنبياء: 73) وقيل: المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة الذين وصفهم الله بأنهم الصافون وهم المسبحون وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فقوله * (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) * يعني يؤمنون بالكتب، وقوله * (والمقيمين الصلاة) * يعني يؤمنون بالرسل. الرابع: جاء في مصحف عبد الله بن مسعود * (والمقيمون الصلاة) * بالواو، وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي.
المسألة الثانية: اعلم أن العلماء على ثلاثة أقسام: الأول: العلماء بأحكام الله تعالى فقط. والثاني: العلماء بذات الله وصفات الله فقط. والثالث: العلماء بأحكام الله وبذات الله، أما الفريق الأول فهم العالمون بأحكام الله وتأليفه وشرائعه، وأما الثاني: فهم العالمون بذات الله وبصفاته الواجبة والجائزة والممتنعة، وأما الثالث: فهم الموصوفون بالعاملين وهم أكابر العلماء، وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " جالس العلماء وخالط الحكماء ورافق الكبراء ".