الصلاة والسلام: * (ولا تحسبن) * مع علمه بأن جميع المؤمنين كذلك، أما إذا حملناه على ثواب القبر حسن قوله: * (ولا تحسبن) * لأنه عليه الصلاة والسلام لعله ما كان يعلم أنه تعالى يشرف المطيعين والمخلصين بهذا التشريف، وهو أنه يحييهم قبل قيام القيامة لأجل إيصال الثواب إليهم.
فان قيل: إنه عليه الصلاة والسلام وان كان عالما بأنهم سيصيرون أحياء عند ربهم عند البعث ولكنه غير عالم بأنهم من أهل الجنة، فجاز أن يبشره الله بأنهم سيصيرون أحياء ويصلون إلى الثواب والسرور.
قلنا: قوله: * (ولا تحسبن) * إنما يتناول الموت لأنه قال: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * فالذي يزيل هذا الحسبان هو كونهم أحياء في الحال لأنه لا حسبان هناك في صيرورتهم أحياء يوم القيامة، وقوله: * (يرزقون * فرحين) * فهو خبر مبتدأ ولا تعلق له بذلك الحسبان فزال هذا السؤال.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: * (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) * والقوم الذين لم يلحقوا بهم لا بد وأن يكونوا في الدنيا، فاستبشارهم بمن يكون في الدنيا لا بد وأن يكون قبل قيام القيامة، والاستبشار لا بد وأن يكون مع الحياة، فدل هذا على كونهم أحياء قبل يوم القيامة، وفي هذا الاستدلال بحث سيأتي ذكره.
الحجة الخامسة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صفة الشهداء: " ان أرواحهم في أجواف طير خضر وانها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مسكنهم ومطعمهم ومشربهم قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله تعالى بنا كي يرغبوا في الجهاد فقال الله تعالى: أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا فأنزل الله تعالى هذه الآية " وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية، فقال: سألنا عنها فقيل لنا ان الشهداء على نهر بباب الجنة في قبة خضراء، وفي رواية في روضة خضراء، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أبشرك أن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله ثم قال: ما تريد يا عبد الله بن عمرو أن فعل بك فقال يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيها مرة أخرى " والروايات في هذا الباب كأنها بلغت حد التوتر، فكيف يمكن انكارها؟ طعن الكعبي في هذه الروايات وقال: إنها غير جائزة لان الأرواح لا تتنعم، وانما يتنعم الجسم إذا كان فيه روح لا الروح، ومنزلة الروح من البدن منزلة القوة، وأيضا: الخبر المروي ظاهره يقتضي أن هذه الأرواح