المسألة الأولى: في أن هذا القائل من هو؟ وجهان: الأول: قال الأصم: انه الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم إلى القتال. الثاني: روي أن عبد الله بن أبي بن سلول لما خرج بعسكره إلى أحد قالوا: لم نلقي أنفسنا في القتل، فرجعوا وكانوا ثلثمائة من جملة الألف الذين خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله الأنصاري: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند حضور العدو، فهذا هو المراد من قوله تعالى: * (وقيل لهم) * يعني قول عبد الله هذا.
المسألة الثانية: قوله: * (قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) * يعني إن كان في قلبكم حب الدين والاسلام فقاتلوا للدين والاسلام، وإن لم تكونوا كذلك، فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم، يعني كونوا إما من رجال الدين، أو من رجال الدنيا. قال السدي وابن جريج: ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا، قالوا: لأن الكثرة أحد أسباب الهيبة والعظمة، والأول هو الوجه.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) * تصريح بأنهم قدموا طلب الدين على طلب الدنيا، وذلك يدل على أن المسلم لا بد وأن يقدم الدين على الدنيا في كل المهمات.
ثم قال تعالى: * (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان) * وهذا هو الجواب الذي ذكره المنافقون وفيه وجهان: الأول: أن يكون المراد أن الفريقين لا يقتتلان البتة، فلهذا رجعنا. الثاني: أن يكون المعنى لو نعلم ما يصلح أن يسمى قتالا لاتبعناكم، يعني أن الذي يقدمون عليه لا يقال له قتال، وإنما هو إلقاء النفس في التهلكة لأن رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة، وما كان يستصوب الخروج.
واعلم أنه إن كان المراد من هذا الكلام هو الوجه الأول فهو فاسد، وذلك لأن الظن في أحوال الدنيا قائم مقام العلم، وأمارات حصول القتال كانت ظاهرة في ذلك اليوم، ولو قيل لهذا المنافق الذي ذكر هذا الجواب: فينبغي لك لو شاهدت من شهر سيفه في الحرب أن لا تقدم على مقاتلته لأنك لا تعلم منه قتالا، وكذا القول في سائر التصرفات في أمور الدنيا، بل الحق أن الجهاد واجب عند ظهور أمارات المحاربة، ولا أمارات أقوى من قربهم من المدينة عند جبل أحد، فدل ذكر هذا الجواب على غاية الخزي والنفاق، وإنه كان غرضهم من ذكر هذا الجواب إما التلبيس، واما الاستهزاء. وأما إن كان مراد المنافق هو الوجه الثاني فهو أيضا باطل، لأن الله تعالى لما وعدهم بالنصرة والاعانة لم يكن الخروج إلى ذلك القتال إلقاء للنفس في التهلكة.