غيره محال في العقول، وأما كلمة * (من) * في هذه الآية فهو مفيد ابتداء الغاية، على معنى أن ابتداء حدوث هذه الأشياء من تلك الأشياء لا على وجه الحاجة والافتقار، بل على وجه الوقوع فقط.
المسألة الرابعة: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (وخالق منها زوجها وبث منهما) * بلفظ اسم الفاعل، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هو خالق.
قوله تعالى: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: بث منهما: يريد فرق ونشر، قال ابن المظفر: البث تفريقك الأشياء، يقال: بث الخيل في الغارة وبث الصياد كلابه، وخلق الله الخلق فبثهم في الأرض، وبثثت البسط إذا نشرتها، قال الله تعالى: * (وزر أبي مبثوثة) * قال الفراء والزجاج: وبعض العرب يقول: أبث الله الخلق.
المسألة الثانية: لم يقل: وبث منهما الرجال والنساء لأن ذلك يوجب كونهما مبثوثين عن نفسهما وذلك محال، فلهذا عدل عن هذا اللفظ إلى قوله: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) *.
فان قيل: لم لم يقل: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء كثيرا؟ ولم خصص وصف الكثرة بالرجال دون النساء؟
قلنا: السبب فيه والله أعلم أن شهرة الرجال أتم، فكانت كثرتهم أظهر، فلا جرم خصوا بوصف الكثرة، وهذا كالتنبيه على أن اللائق بحال الرجال الاشتهار والخروج والبروز، واللائق بحال النساء الاختفاء والخمول.
المسألة الثالثة: الذين يقولون: إن جميع الأشخاص البشرية كانوا كالذر، وكانوا مجتمعين في صلب آدم عليه السلام، حملوا قوله: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) * على ظاهره، والذين أنكروا ذلك قالوا: المراد بث منهما أولادهما ومن أولادهما جمعا آخرين، فكان الكل مضافا إليهما على سبيل المجاز.
قوله تعالى: * (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) *.