يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) *.
واعلم أن وجه النظم من وجهين: الأول: أنه تعالى لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان: أحدهما: الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات، وهم الذين وصفهم الله بالانفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس. وثانيهما: الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله: * (والذين إذا فعلوا فاحشة) * وبين تعالى أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى في كونها متقية، وذلك لأن المذنب إذا تاب عن الذنب صار حاله كحال من لم يذنب قط في استحقاق المنزلة والكرامة عند الله.
والوجه الثاني: أنه تعالى ندب في الآية الأولى إلى الاحسان إلى الغير، وندب في هذه الآية إلى الاحسان إلى النفس، فان المذنب العاصي إذا تاب كانت تلك التوبة إحسانا منه إلى نفسه، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: روى ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في رجلين، أنصاري وثقفي، والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد آخى بينهما، وكانا لا يفترقان في أحوالهما، فخرج الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر، وخلف الأنصاري على أهله ليتعاهدهم، فكان يفعل ذلك. ثم قام إلى امرأته ليقبلها فوضعت كفها على وجهها، فندم الرجل، فلما وافى الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الأنصاري، وكان قد هام في الجبال للتوبة، فلما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم سكت حتى نزلت هذه الآية. وقال ابن مسعود: قال المؤمنون للنبي صلى الله عليه وسلم: كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا، فكان أحدهم إذا أذنب ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره: أجدع أنفك، افعل كذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية وبين أنهم أكرم على الله منهم حيث جعل كفارة ذنبهم الاستغفار.
المسألة الثانية: الفاحشة ههنا نعت محذوف والتقدير: فعلوا فعلة فاحشة، وذكروا في الفرق بين الفاحشة وبين ظلم النفس وجوها: الأول: قال صاحب " الكشاف ": الفاحشة ما يكون فعله