تحقق الوصول إلى مبادئ عالم التوحيد، ثم الالتفات المذكور لا يمكن التعبير عنه إلا بقوله (هو) فلذلك عظم وقع هذه الكلمة عند الخائضين في بحار التوحيد، وسنذكر شمة من حقائقها في تفسير هذه الآية بعون الله تعالى، أما الوحدة بالمعنى الثاني، وهي أنه ليس في الوجود شيء يشاركه في وجوب الوجود، فكأن هذه الوحدة هي الوحدة الخاصة بذات الحق سبحانه وتعالى، وبراهين ذلك مذكورة في تفسير قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) أم الوحدة بالتفسير الأول، فليست من خواص ذات الحق سبحانه وتعالى لأنه لا شك في وجود موجودات وهذه الموجودات إما مفردات أو مركبات، فالمركب لا بد فيه من المفردات فثبت أنه لا بد من إثبات المفردات في عالم الممكنات، فالواحدية بالمعنى الأول ليست من الأمور التي توحد الحق سبحانه بها، أما الواحدية بالمعنى الثاني فالحق سبحانه وتعالى متوحد بها ومتفرد بها، ولا يشاركه في ذلك النعت شيء سواه، فهذه تلخيص الكلام في هذا المقام بحسب ما يليق بعقل البشر وفكره القاصر، مع الاعتراف بأنه سبحانه منزه عن تصرفات الأفكار والأوهام، وعلائق العقول والأفهام.
المسألة الخامسة؛ قال الجبائي: يوصف الله تعالى بأنه واحد من وجوه أربعة: لأنه ليس بذي أبعاض، ولا بذي أجزاء، ولأنه منفرد بالقدم، ولأنه منفرد بالإلهية، ولأنه منفرد بصفات ذاته نحو كونه عالما بنفسه، وقادرا بنفسه، وأبو هاشم يقتصر على ثلاثة أوجه: فجعل تفرده بالقدم، وبصفات الذات وجها واحدا، قال القاضي: وفي هذه الآية المراد تفرده بالإلهية فقط، لأنه أضاف التوحيد إلى ذلك، ولذلك عقبه بقوله * (لا إله إلا هو) * وقال أصحابنا: إنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، أما أنه واحد في ذاته فلأن تلك الذات المخصوصة التي هي المشار إليها بقولنا هو الحق سبحانه وتعالى إما أن تكون حاصلة في شخص آخر سواه، أو لا تكون، فإن كان الأول كان امتياز ذاته المعينة عن المعنى الآخر، لا بد وأن يكون بقيد زائد، فيكون هو في نفسه مركبا بما به الاشتراك وما به الإمتياز، فيكون ممكنا معلولا مفتقرا وذلك محال، وإن لم يكن فقد ثبت أنه سبحانه واحد في ذاته لا قسيم له، وأما أنه واحد في صفاته فلأن موصوفيته سبحانه بصفات متميزة عن موصوفية غيره بصفات من وجوه. أحدها: أن كل ما عداه فان، لأن حصول صفاته له لا تكون من نفسه بل من غيره وهو سبحانه يستحق حصول صفاته لنفسه لا لغيره. وثانيها: أن صفات غيره مختصة بزمان دون زمان لأنها حادثة، وصفات الحق ليست كذلك. وثالثها: أن صفات الحق غير متناهية بحسب