وإشكال ثالث: وهو أن تلك الحقيقة هل هي موجودة وواجبة الوجود أم لا؟ فإن كانت موجودة فهي بوجودها تشارك سائر الموجودات وبماهياتها تمتاز عن سائر الموجودات، فهناك كثرة حاصلة بسبب الوجود والماهية، وإن لم تكن موجودة فهذا إشارة إلى العدم وكذا القول في الوجوب، فإنها إن كانت واجبة الوجود لذاتها، فوجوب وجودها يستحيل أن يكون عين الذات لأن الوجوب صفة لانتساب الموضوع إلى المحمول بالموصوفية والانتساب مغاير بين الشيئين مغاير لكل واحد منهما من حيث هو فلأن تكون صفة ذلك الإنتساب مغايرة لهما أولى، وأيضا فالذات قائمة بنفسها ويستحيل أن يكون مسمى الواجب أمرا قائما بالنفس ولأنا نصف الذات بالوجوب ووصف الشيء بنفسه محال، فثبت أنه لو وجب موجود واجب الوجود لكان وجوب وجوده زائدا على ذاته، فهناك أمران تلك الذات مع ذلك الوجوب ومع الموصوفية بذلك الوجوب فقد عاد التثليث.
وإشكال رابع: وهو أن هذه الحقيقة البسيطة هل يمكن الإخبار عنها وهل يمكن التعبير عنها أم لا. والأول محال لأن الإخبار إنما يكون بشيء عن شيء، فالمخبر عنه غير المخبر به فهما أمران لا واحد، وإن لم يكن التعبير عنه فهو معلوم البتة لا بالنفي ولا بالإثبات فهو مغفول عنه، فهذا جملة ما في هذا المقام من السؤال:
والجواب عن الأول: أنه سبحانه ذات موصوفة بهذه الصفات ولا شك أن المجموع مفتقر في تحققه إلى تحقق أجزائه إلا أن الذات قائمة بنفسها واجبة لذاتها، ثم إنها بعد وجوبها بعدية بالرتبة مستلزمة لتلك النعوت والصفات فهذا مما لا امتناع فيه عند العقل.
وأما الإشكال الثاني: وهو أن الوحدة صفة زائدة على الذات فإذا نظرت إليها من حيث أنها واحدة فهناك أمور ثلاثة لا أمر واحد، فالجواب أن الذي ذكرته حق ولكن فرق بين النظر إليه من حيث أنه هو وبين النظر إليه من حيث أنه محكوم عليه بأنه واحد، فإذا نظرت إليه من حيث أنه هو مع ترك الالتفات إلى أنه واحد فهناك تتحقق الوحدة وههنا حالة عجيبة فإن العقل ما دام يلتفت إلى الوحدة فهو بعد لم يصل إلى عالم الوحدة، فإذا ترك الوحدة فقد وصل إلى الوحدة فاعتبر هذه الحالة بذهنك اللطيف لعلك تصل إلى سره وهذا أيضا هو الجواب عن إشكال الوجود وإشكال الوجوب.
أما الإشكال الرابع: وهو أنه هل يمكن التعبير عنه؟ فالحق أنه لا يمكن التعبير عنه لأنك متى عبرت عنه فقد أخبرت عنه بأمر آخر، والمخبر عنه مغاير للمخبر به لا محالة، فليس هناك توحيد، ولو أخبرت عنه بأنه لا يمكن الإخبار عنه، فهناك ذات مع سلب خاص، فلا يكون هناك توحيد فأما إذا نظرت إليه من حيث أنه هو من غير أن تخبر عنه لا بالنفي ولا بالإثبات، فهناك