عليه في ذلك المذهب. ورابعها: أنه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه، فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه فكان ذلك إخبارا عن الغيب فكان معجزا. وخامسها: أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعا منه في المال وسعة الرزق فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق لأن المنافق إذا سمع ذلك نفر منه وترك دينه فكان في هذا الإختبار هذه الفائدة. وسادسها: أن إخلاص الإنسان حالة البلاء ورجوعه إلى باب الله تعالى أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه، فكانت الحكمة في هذا الإبتلاء ذلك.
المسألة الرابعة: إنما قال بشيء على الوحدان، ولم يقل بأشياء على الجمع لوجهين. الأول: لئلا يوهم بأشياء من كل واحد، فيدل على ضروب الخوف والتقدير بشيء من كذا وشئ من كذا. الثاني: معناه بشيء قليل من هذه الأشياء.
المسألة الخامسة: اعلم أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب، فينقسم إلى موجود في الحال وإلى ما كان موجودا في الماضي وإلى ما سيوجد في المستقبل، فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمى ذكرا وتذكرا وإن كان موجودا في الحال: يسمى ذوقا ووجدا وإنما سمي وجدا لأنها حالة تجدها من نفسك وإن كان قد خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك، سمى انتظارا وتوقعا، فإن كان المنتظر مكروها حصل منه ألم في القلب يسمى خوفا وإشفاقا، وإن كان محبوبا سمى ذلك ارتياحا، والإرتياح رجاء، فالخوف هو تألم القلب لانتظار ما هو مكروه عنده، والرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، وأما الجوع فالمراد منه القحط وتعذر تحصيل القوت: قال القفال رحمه الله: أما الخوف الشديد فقد حصل لهم عند مكاشفتهم العرب بسبب الدين، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم، وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان، قال الله تعالى: * (هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) * (الأحزاب: 11) وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لقلة أموالهم، حتى أنه عليه السلام كان يشد الحجر على بطنه، وروى أبو الهيثم بن التيهان أنه عليه السلام لما خرج التقى مع أبي بكر قال: ما أخرجك؟ قال: الجوع. قال: أخرجني ما أخرجك: وأما النقص في الأموال والأنفس فقد يحصل ذلك عند محاربة العدو بأن ينفق الإنسان ماله في الاستعداد للجهاد وقد يقتل، فهناك يحصل النقص في المال والنفس وقال الله تعالى: * (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) * (التوبة: 41) وقد يحصل الجوع في سفر الجهاد عند فناء الزاد قال الله تعالى: * (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله) * (التوبة: 120) وقد يكون النقص في النفس بموت بعض الإخوان والأقارب على ما هو التأويل في قوله: دولا تقتلوا أنفسكم) *