يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الأجزاء التي لا بد منها في ماهية الحي ولا يعتبر بالأطراف، ويحتمل أيضا أن يحييهم إذا لم يشاهدوا.
القول الثاني: قال الأصم: يعني لا تسموهم بالموتى وقولوا لهم الشهداء الأحياء ويحتمل أن المشركين قالوا: هم أموات في الدين كما قال الله تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه) * (الأنعام: 122) فقال: ولا تقولوا للشهداء ما قاله المشركون، ولكن قولوا: هم أحياء في الدين ولكن لا يشعرون، يعني المشركون لا يعلمون أن من قتل على دين محمد عليه الصلاة والسلام حي في الدين، وعلى هدى من ربه ونور كما روي في بعض الحكايات أن رجلا قال لرجل: ما مات رجل خلف مثلك، وحكى عن بقراط أنه كان يقول لتلامذته: موتوا بالإرادة تحيوا بالطبيعة أي بالروح.
القول الثالث: أن المشركين كانوا يقولون: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون أنفسهم ويخسرون حياتهم فيخرجون من الدنيا بلا فائدة ويضيعون أعمارهم إلى غير شيء، وهؤلاء الذين قالوا ذلك، يحتمل أنهم كانوا دهرية ينكرون المعاد، ويحتمل أنهم كانوا مؤمنين بالمعاد إلا أنهم كانوا منكرين لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، فلذلك قالوا هذا الكلام، فقال الله تعالى: ولا تقولوا كما قال المشركون إنهم أموات لا ينشرون ولا ينتفعون بما تحملوا من الشدائد في الدنيا، ولكن اعلموا أنهم أحياء، أي سيحيون فيثابون وينعمون في الجنة وتفسير قوله: * (أحياء) * بأنهم سيحيون غير بعيد، قال الله تعالى: * (إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم) * (الإنفطار: 13، 14) وقال: * (أحاط بهم سرادقها) * (الكهف: 29) وقال: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145) وقال: * (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) * (الحج: 56) على معنى أنهم سيصيرون كذلك وهذا القول اختيار الكعبي وأبي مسلم الأصفهاني واعلم أن أكثر العلماء على ترجيح القول الأول، والذي يدل عليه وجوه. أحدها: الآيات الدالة على عذاب القبر، كقوله تعالى: * (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * (غافر: 11) والموتتان لا تحصل إلا عند حصول الحياة في القبر، وقال الله تعالى: * (أغرقوا فأدخلوا نارا) * (نوح: 25) والفاء للتعقيب، وقال: * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) * (غافر: 46) وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضا لأن العذاب حق الله تعالى على العبد والثواب حق للعبد على الله تعالى، فاسقاط العقاب أحسن من إسقاط الثواب فحيثما أسقط العقاب إلى يوم القيامة بل حققه في القبر، كان ذلك في الثواب أولى. وثانيها: أن المعنى لو كان على ما قيل في القول الثاني والثالث لم يكن لقوله: * (ولكن لا تشعرون) * معنى لأن