لأن قولهم رجل محجوج إنما هو فيمن يختلف إليه مرة بعد أخرى، وكذلك محجة الطريق هو الذي كثر السير إليه.
وأما العمرة فقال أهل اللغة: الاعتمار هو القصد والزيارة، قال الأعشى:
وجاشت النفس لما جاء جمعهم * وراكب جاء من تثليث معتمر وقال قطرب: العمرة في كلام عبد القيس: المسجد، والبيعة، والكنيسة، قال القفال: ولا شبهة في العمرة إذا أضيفت إلى البيت أن تكون بمعنى الزيارة، لأن المعتمر يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم ينصرف كالزائر، وأما الجناح فهو من قولهم: جنح إلى كذا أي مال إليه، قال الله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * (الأنفال: 61) وجنحت السفينة إذا لزمت الماء فلم تمض، وجنح الرجل في الشيء يعلمه بيده إذا مال إليه بصدره وقيل للأضلاع: جوانح لاعوجاجها، وجناح الطائر من هذا، لأنه يميل في أحد شقيه ولا يطير على مستوى خلقته فثبت أن أصله من الميل، ثم من الناس من قال إنه بقي في عرف القرآن كذلك أيضا فمعنى: لا جناح عليه أينما ذكر في القرآن: لا ميل لأحد عليه بمطالبة شيء من الأشياء، ومنهم من قال: بل هو مختص بالميل إلى الباطل وإلى ما يأثم به.
وقوله: * (أن يطوف بهما) * أي يتطوف فأدغمت التاء في الطاء كما قال: * (يا أيها المدثر) * (المدثر: 1)، * (يا أيها المزمل) * (المزمل: 1) أي المتدثر والمتزمل، ويقال: طاف وأطاف بمعنى واحد.
المسألة السادسة: ظاهر قوله تعالى: * (لا جناح عليه) * أنه لا إثم عليه، والذي يصدق عليه أنه لا إثم في فعله يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، ثم يمتاز كل واحد من هذه الثلاثة عن الآخر بقيد زائد، فإذن ظاهر هذه الآية لا يدل على أن السعي بين الصفا والمروة واجب، أو ليس بواجب، لأن اللفظ الدال على القدر المشترك بين الأقسام لا دلالة فيه البتة على خصوصية من الرجوع إلى دليل آخر، إذا عرفت هذا فنقول: مذهب الشافعي رحمه الله أن هذا السعي ركن، ولا يقوم الدم مقامه، وعند أبي حنيفة رحمه الله أنه ليس بركن، ويقوم الدم مقامه، وروي عن ابن الزبير ومجاهد وعطاء، أن من تركه فلا شيء عليه، حجة الشافعي رضي الله عنه من وجوه. أحدها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا "، فإن قيل: هذا الحديث متروك الظاهر، لأنه يقتضي وجوب السعي وهو العدو، ذلك غير واجب