المسألة الرابعة: قيل: الناس هم أهل الكتاب عن قتادة والربيع وقيل: هو على العموم.
المسألة الخامسة: ههنا سؤال، وهو أن شبهة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ليست بحجة، فكيف يجوز استثناؤها عن الحجة وقد اختلف الناس فيه على أقوال. الأول: أنه استثناء متصل ثم على هذا القول يمكن دفع السؤال من وجوه:
الوجه الأول: أن الحجة كما أنها قد تكون صحيحة، قد تكون أيضا باطلة، قال الله تعالى * (حجتهم داحضة عند ربهم) * (الشورى: 16) وقال تعالى: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) * (آل عمران: 61) والمحاجة هي أن يورد كل واحد منهم على صاحبه حجة وهذا يقتضي أن يكون الذي يورد المبطل يسمى بالحجة ولأن الحجة اشتقاقها من حجة إذا علا عليه فكل كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجة، وقال بعضهم: إنها مأخوذة من محجة الطريق، فكل كلام يتخذه الإنسان مسلكا لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجة، وإذا ثبت أن الشبهة قد تسمى حجة كان الاستثناء متصلا.
الوجه الثاني: في تقرير أنه استثناء متصل: أن المراد بالناس أهل الكتاب فإنهم وجدوه في كتابهم أنه عليه الصلاة والسلام يحول القبلة فلما حولت، بطلت حجتهم إلا الذين ظلموا بسبب أنهم كتموا ما عرفوا عن أبي روق.
الوجه الثالث: أنهم لما أوردوا تلك الشبهة على اعتقاد أنها حجة سماها الله. (حجة) بناء على معتقدهم أو لعله تعالى سماها (حجة) تهكما بهم.
الوجه الرابع: أراد بالحجة المحاجة والمجادلة فقال: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * فإنهم يحاجونكم بالباطل. القول الثاني: أنه استثناء منقطع، ومعناه لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويضعونها موضع الحجة، وهو كقوله تعالى: * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * (النساء: 157) وقال النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب ومعناه: لكن بسيوفهم فلول وليس بعيب ويقال ما له على حق إلا التعدي يعني لكنه يتعدى ويظلم، ونظيره أيضا قوله تعالى: * (إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم) * (النمل: 10، 11) وقال: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * (هود: 43) وهذا النوع من الكلام عادة مشهورة للعرب.
القول الثالث: زعم أبو عبيدة أن (إلا) بمعنى الواو كأنه تعالى قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة وللذين ظلموا وأنشد:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان