الترجيح، وفيه أبحاث:
البحث الأول: أن هذا الشخص يستحيل أن يكون مأمورا بالاجتهاد، لأن الاجتهاد من غير دلالة ولا أمارة تكليف ما لا يطاق وهو منفي، فلم يبق إلا أحد أمور ثلاثة: إما أن يقال التكاليف بالصلاة مشروط بالاستقبال، وتعذر الشرط يوجب سقوط التكليف بالمشروط، فههنا لا تجب عليه الصلاة، أو يقال: شرط الاستقبال قد سقط عن المكلف بعذر أقل من هذا، وهو حال المسابقة فيسقط ههنا أيضا، فيجب عليه أن يأتي بالصلاة إلى أي جهة شاء، ويسقط عنه شرط الاستقبال، أو يقال: إنه يأتي بتلك الصلاة إلى جميع الجهات ليخرج عن العهدة بيقين، فهذه هي الوجوه الممكنة، أما سقوط الصلاة عنه فذلك باطل بالإجماع، وأيضا فلأنا رأينا في الشرع في الجملة أن الصلاة صحت بدون الاستقبال كما في حال المسايفة وفي النافلة، وأما إيجاب الصلاة إلى جميع الجهات فهو أيضا باطل لقيام الدلالة على أن الواجب عليه صلاة واحدة، ولقائل أن يقول: أليس أن من نسي صلاة من صلوات يوم وليلة ولا يدري عينها فإنها يجب عليها قضاء تلك الصلوات بأسرها ليخرج عن العهدة باليقين، فلم لا يجوز أن يكون الأمر ههنا كذلك؟ قالوا: ولما بطل القسمان تعين الثالث وهو التخيير في جميع الجهات.
البحث الثاني: أنه إذا مال قلبه إلى أن هذه الجهة أولى بأن تكون قبلة من سائر الجهات، من غير أن يكون ذلك الترجيح مبنيا على استدلال، بل يحصل ذلك بمجرد التشهي وميل القلب إليه فهل يعد هذا اجتهادا، وهل المكلف مكلف بأن يعول عليه أم لا؟ الأولى أن يكون ذلك معتبرا لقوله عليه السلام: " المؤمن ينظر بنور الله " ولأن سائر وجوه الترجيح لما انسدت وجب الاكتفاء بهذا القدر.
البحث الثالث: إذا أدى هذه الصلاة فالظاهر يقتضي أن لا يجب القضاء، لأنه أدى وظيفة الوقت وقد صحت منه، فوجب أن لا تجب عليه الإعادة، وظاهر قول الشافعي رضي الله عنه أنه تجب الإعادة سواء بأن صوابه أو خطؤه.
المسألة السابعة؛ تجوز الصلاة في جوف الكعبة عند عامة أهل العلم، ويتوجه إلى أي جانب شاء وقال مالك: يكره أن يصلى في الكعبة المكتوبة لأن من كان داخل الكعبة لا يكون متوجها إلى كل الكعبة، بل يكون متوجها إلى بعض أجزائها، ومستدبرا عن بعض أجزائها، وإذا كان كذلك لم يكن مستقبلا لكل الكعبة فوجب أن لا تصح صلاته لأن الله تعالى أمر باستقبال البيت قال: وأما النافلة فجائزة، لأن استقبال القبلة فيها غير واجب، حجة الجمهور ما أخرجه الشيخان