في الصحيحين، ورواه الشافعي رضي الله عنه أيضا عن مالك عن نافع عن ابن عمر، أنه عليه الصلاة والسلام دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وعثمان بن أبي طلحة وبلال فأغلقها عليه ومكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى، واعلم أن الاستدلال بهذا الخبر ضعيف من وجوه. أحدها: أن خبر الواحد لا يعارض ظاهر القرآن. وثانيها: لعل تلك الصلاة كانت نافلة، وذلك عند مالك جائز. وثالثها: أن مالكا خالف هذا الخبر ومخالفة الراوي وإن كانت لا توجب الطعن في الخبر إلا أنها تفيد نوع مرجوحية بالنسبة إلى خبر واحد حلى عن هذا الطعن، فكيف بالنسبة إلى القرآن. ورابعها: أن الشيخين أوردا في الصحيحين عن ابن جريح عن عطاء: سمعت ابن عباس قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال: " هذه القبلة " والتعارض حاصل من وجهين. الأول: أن النفي والإثبات يتعارضان. والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: " هذه القبلة " يدل على أنه لا بد من توجه ذلك الموضع ومن جوز الصلاة داخل البيت لا يوجب عليه استقبال ذلك الموضع بل جوز استدباره. والجواب: عن استدلال مالك رحمه الله أن نقول قوله: (وحيثما كنتم) إما أن يكون صيغة عموم أو لا يكون فإن كان صيغة عموم فقد تناول الإنسان الذي يكون في البيت فكأنه تعالى أمر من كان في البيت أن يتوجه إليه، فالآتي به يكون خارجا عن العهدة، وإن لم يكن صيغة عموم لم تكن الآية متناولة لهذه المسألة البتة، فلا تدل على حكمها لا بالنفي ولا بالإثبات، ثم المعتمد في المسألة أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يتوجه إلى كل البيت، بل إنما يمكنه أن يتوجه إلى جزء من أجزاء البيت والذي في البيت يتوجه إلى جزء من أجزاء البيت فقد كان آتيا بما أمر به فوجب أن يخرج عن العهدة.
المسألة الثامنة: اعلم أن الكعبة عبارة عن أجسام مخصوصة هي السقف والحيطان والبناء، ولا شك أن تلك الأجسام حاصلة في أحياز مخصوصة، فالقبلة إما أن تكون تلك الأحياز فقط، أو تلك الأجسام فقط، أو تلك الأجسام بشرط حصولها في تلك الأحياز لا جائز أن يقال أنها تلك الأجسام فقط، لأنا أجمعنا على أنه لو نقل تراب الكعبة وما في بنائها من الأحجار والخشب إلى موضع آخر وبني به بناء وتوجه إليه أحد في الصلاة لم يجز ذلك، ولا جائز أن يقال: