عن اليهود، وتمييز الموافق من المنافق، فلهذا كان يقلب وجهه، وهذا الوجه أولى، وإلا لما كانت القبلة الثانية ناسخة للأولى، بل كانت مبتدأة، والمفسرة أجمعوا على أنها ناسخة للأولى، ولأنه لا يجوز أن يؤمر بالصلاة إلا مع بيان موضع التوجه. الرابع: أن تقلب وجهه في السماء هو الدعاء.
القول الثاني: وهو قول أبي مسلم الأصفهاني، قالوا: لولا الأخبار التي دلت على هذا القول وإلا فلفظ الآية يحتمل وجها آخر، وهو أنه يحتمل أنه عليه السلام إنما كان يقلب وجهه في أول مقدمة المدينة، فقد روي أنه عليه السلام كان إذا صلى بمكة جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وهذه صلاة إلى الكعبة فلما هاجر لم يعلم أين يتوجه فانتظر أمر الله تعالى حتى نزل قوله: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) *.
المسألة الثانية: اختلفوا في صلاته إلى بيت المقدس، فقال قوم: كان بمكة يصلي إلى الكعبة فلما صار إلى المدينة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، وقال قوم: بل كان بمكة يصلي إلى بيت المقدس، إلا أنه يجعل الكعبة بينه وبينها: وقال قوم: بل كان يصلي إلى بيت المقدس فقط وبالمدينة أولا سبعة عشر شهرا، ثم أمره الله تعالى بالتوجه إلى الكعبة لما فيه من الصلاح.
المسألة الثالثة: اختلفوا في توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس هل كان فرضا لا يجوز غيره، أو كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا في توجهه إليه وإلى غيره، فقال الربيع بن أنس: قد كان مخيرا في ذلك وقال ابن عباس: كان التوجه إليه فرضا محققا بلا تخيير.
واعلم أنه على أي الوجهين كان قد صار منسوخا، واحتج الذاهبون إلى القول الأول بالقرآن والخبر، أما القرآن فقوله تعالى: * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) * (البقرة: 115) وذلك يقتضي كونه مخيرا في التوجه إلى أي جهة شاء، وأما الخبر فما روى أبو بكر الرازي في كتاب " أحكام القرآن ": أن نفرا قصدوا الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلى مكة للبيعة قبل الهجرة، وكان فيهم البراء بن معرور، فتوجه بصلاته إلى الكعبة في طريقه، وأبى الآخرون وقالوا: إنه عليه السلام يتوجه إلى بيت المقدس، فلما قدموا مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: قد كنت على قبلة - يعني بيت المقدس - لو ثبت عليها أجزأك ولم يأمره باستئناف الصلاة فدل على أنهم قد كانوا مخيرين، واحتج الذاهبون إلى القول الثاني بأنه تعالى قال: * (فلنولينك قبلة ترضاها) * فدل على أنه عليه السلام ما كان يرتضي القبلة الأولى، فلو كان مخيرا بينها وبين الكعبة ما كان يتوجه إليها فحيث توجه إليها مع أنه كان ما يرتضيها علمنا أنه ما كان مخيرا بينها وبين الكعبة.
المسألة الرابعة: المشهور أن التوجه إلى بيت المقدس إنما صار منسوخا بالأمر بالتوجه إلى