الشمس رؤس أهل مكة فينصب مقياسا ويخط على ظل المقياس خطا من مركز العمود إلى طرف الظل فذلك الخط خط الظل فيبني عليه المحراب فهذا هو الكلام في دلائل القبلة.
المسألة الخامسة: معرفة دلائل القبلة فرض على العين أم فرض على الكفاية ففيه وجهان أصحهما فرض على العين، لأن كل مكلف فهو مأمور بالاستقبال ولا يمكنه الاستقبال إلا بواسطة معرفة دلائل القبلة، وما لا يتأدى الواجب إلا به فهو واجب.
المسألة السادسة: اعلم أن قوله تعالى: * (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * عام في الأشخاص والأحوال، إلا أنا أجمعنا على أن الاستقبال خارج الصلاة غير واجب، بل أنه طاعة لقوله عليه السلام: " خير المجالس ما استقبل به القبلة " فيبقى أن وجوب الاستقبال من خواص الصلاة، ثم نقول: الرجل إما أن يكون معاينا للقبلة أو غائبا عنها، أما المعاين فقد أجمعوا على أنه يجب عليه الاستقبال، وأما الغائب فإما أن يكون قادر على تحصيل اليقين أو لا يقدر عليه، لكنه يقدر على تحصيل الظن أو لا يقدر على تحصيل اليقين ولا على تحصيل الظن فهذه أقسام ثلاثة:
القسم الأول: القادر على تحصيل العلم وفيه بحثان:
البحث الأول: قد عرفت أن الغائب عن القبلة لا سبيل له إلى تحصيل اليقين بجهة القبلة إلا بالدلائل الهندسية، وما لا سبيل إلى أداء الواجب إلا به فهو واجب، فيلزم من هذا أن يكون تعلم الدلائل الهندسية فرض عين على كل أحد إلا أن الفقهاء قالوا: إن تعلمها غير واجب بل ربما قالوا: إن تعلمها مكروه أو محرم ولا أدري ما عذرهم فيه هذا؟
البحث الثاني: المصلي إذا كان بأرض مكة وبينه وبين الكعبة حائل واشتبه عليه فهل له أن يجتهد؟ قال صاحب " التهذيب " نظر إن كان الحائل أصليا كالجبال فله الاجتهاد، وإن لم يكن أصليا كالأبنية فعلى وجهين. أحدهما: له الاجتهاد لأن بينه وبينها حائلا يمنع المشاهدة كما في الحائل الأصلي. والثاني: ليس له الاجتهاد لأن فرضه الرجوع إلى اليقين، وهو قادر على تحصيل اليقين فوجب أن لا يكتفي فيه بالظن، وهذا الوجه هو اللائق بمساق الآية، لأنها لما دلت على وجوب التوجه إلى الكعبة والمكلف إذا كان قادرا على تحصيل العلم لا يجوز له الاكتفاء بالظن، فوجب عليه طلب اليقين.
القسم الثاني: القادر على تحصيل الظن دون اليقين. واعلم أن لتحصيل هذا الظن طرقا:
الطريق الأول: الاجتهاد وظاهر قول الشافعي رضي الله عنه يقتضي أن الاجتهاد يقدم على الرجوع إلى قول الغير وهو الحق، والذي يدل عليه وجوه. أحدها: قوله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي