الإشارة إلى قصته قد شرحنا بعض قصته في آخر (يونس) وفي (الأنبياء) على قدر ما تحتمله الآيات، ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله. قال عبد الله بن مسعود: لما وعد يونس قومه بالعذاب بعد ثلاث، جأروا إلى الله [عز وجل] واستغفروا، فكف عنهم العذاب، فانطلق مغاضبا حتى انتهى إلى قوم في سفينة، فعرفوه فحملوه، فلما ركب السفينة وقفت، فقال: ما لسفينتكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكني أدري، فيها عبد آبق من ربه، و إنها والله لا تسير حتى تلقوه، فقالوا: أما أنت يا نبي الله فوالله لا نلقيك، قال: فاقترعوا، فمن قرع فليقع، فاقترعوا، فقرع يونس، فأبوا أن يمكنوه من الوقوع، فعادوا إلى القرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات. وقال طاووس: إن صاحب السفينة هو الذي قال: إنما يمنعها أن تسير أن فيكم رجلا مشؤوما، فاقترعوا لنلقي أحدنا، فاقترعوا، فقرع يونس ثلاث مرات.
قال المفسرون: وكل الله به حوتا، فلما ألقى نفسه في الماء التقمه، وأمر أن لا يضره ولا يكلمه، وسارت السفينة حينئذ. ومعنى التقمه: ابتلعه.
(وهو مليم) قال ابن قتيبة: أي: مذنب، يقال: ألام الرجل: إذا أتى ذنبا يلام عليه، قال الشاعر:
و من يخذل أخاه فقد ألاما قوله تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من المصلين، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني: من العابدين، قاله مجاهد، ووهب، بن منبه.
والثالث: قول (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) قاله الحسن: وروى عمران القطان عن الحسن قال: والله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت، فعلى هذا القول، يكون تسبيحه في بطن الحوت. وجمهور العلماء على أنه أراد: لولا ما تقدم له قبل التقام الحوت إياه من التسبيح، (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) قال قتادة: لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة، ولكنه كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجاه الله تعالى بذلك.
وفي قدر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال:
أحدها: أربعون يوما، قاله أنس بن مالك، وكعب، وأبو مالك، وابن جريج، والسدي.
والثاني: سبعة أيام، قاله سعيد بن جبير، وعطاء.
والثالث: ثلاثة أيام، قاله مجاهد، وقتادة.