فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (10) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم (11) إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين (12) (لقد حق القول) فيه قولان:
أحدهما: وجب العذاب.
والثاني: سبق القول بكفرهم.
قوله تعالى: (على أكثرهم) يعني أهل مكة، وهذه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة لكفرهم (فهم لا يؤمنون) لما سبق من القدر بذلك.
(إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها مثل، وليس هناك غل على حقيقة، قاله أكثر المحققين، ثم لهم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها مثل لمنعهم عن كل خير، قاله قتادة. والثاني: لحبسهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال، قاله الفراء، وابن قتيبة. والثالث. لمنعهم من الإيمان بالله، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والقول الثاني: أنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل، قال مقاتل بن سليمان: حلف أبو جهل لئن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليدمغنه، فجاءه وهو يصلي، فرفع حجرا فيبست يده والتصق الحجر بيده، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، فقام رجل منهم فأخذ الحجر، فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم طمس الله على بصره فلم يره، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فنزل في أبي جهل: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا...) الآية.
والقول الثالث: أنه على حقيقته، إلا أنه وصف لما سينزله الله تعالى بهم في النار، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: (فهي إلى الأذقان) قال الفراء: " فهي " كناية عن الأيمان، ولم تذكر، لأن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعا لهما، فاكتفي بذكر أحدهما عن صاحبه. وقال الزجاج:
" هي " كناية عن الأيدي، ولم يذكرها إيجازا، لأن الغل يتضمن اليد والعنق، وأنشد:
وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني