وإنما قال: أيهما، لأنه قد علم أن الخير والشر معرضان للإنسان. قال الفراء: والذقن: أسفل اللحيين، والمقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه. قال أبو عبيدة: كل رافع رأسه فهو مقامح وقامح، والجمع: قماح، فإن فعل ذلك بإنسان فهو مقمح، ومنه هذه الآية. وقال ابن قتيبة: يقال:
بعير قامح، وإبل قماح: إذا رويت من الماء فقمحت، قال الشاعر - وذكر سفينة -:
ونحن على جوانبها قعود * نغض الطرف كالإبل القماح وقال الأزهري: المراد أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم، رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها.
قوله تعالى: (و جعلنا من بين أيديهم سدا) قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم:
بفتح السين، والباقون: بضمها، وقد تكلمنا على الفرق في [سورة] الكهف. وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: منعناهم عن الإيمان بموانع، فهم لا يستطيعون الخروج عن الكفر.
والثاني: حجبناهم عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظلمة لما قصدوه بالأذى.
قوله تعالى: (فأغشيناهم) قال ابن قتيبة: أغشينا عيونهم وأعميناهم عن الهدى. وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ويحيى بن يعمر: " فأغشيناهم " بعين غير معجمة. ثم ذكر أن الإنذار لا ينفعهم لإضلاله إياهم بالآية التي بعد هذه. ثم أخبر عمن ينفعه الإنذار بقوله تعالى: (إنما تنذر) أي: إنما ينفع إنذارك (من اتبع الذكر) وهو القرآن، فعمل به (و خشي الرحمن بالغيب) وقد شرحناه في الأنبياء، والأجر الكريم: الحسن، وهو الجنة. (إنا نحن نحيي الموتى) للبعث (و نكتب ما قدموا) من خير وشر في دنياهم. وقرأ النخعي، والجحدري: " ويكتب " بياء مرفوعة وفتح التاء " وآثارهم " برفع الراء. وفي آثارهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها خطاهم بأرجلهم، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة. قال أبو سعيد الخدري:
شكت بنو سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعد منازلهم من المسجد، فأنزل الله تعالى: (و نكتب ما قدموا وآثارهم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم منازلكم، فإنما يكتب آثاركم "، وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز: لو كان الله مغفلا شيئا، لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدم ابن آدم.
والثاني: أنها الخطأ إلى الجمعة، قاله أنس بن مالك.