والرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن، وتترك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة.
وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن. و قال الزهري: ما علمنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أرجأ منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات. وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء. وأرجأ سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء. وكان أراد فراقهن فقلن: أقسم لنا ما شئت، ودعنا على حالنا. وقال قوم: إنه أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يقسم لثمان.
قوله تعالى: (و تؤوي) أي: تضم، (و من ابتغيت ممن عزلت) أي: إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة (فلا جناح عليك) أي: لا ميل عليك بلوم ولا عتب (ذلك أدنى) أي: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن. والمعنى: إنهن إذا علمن أن هذا أمر من الله [تعالى]، كان أطيب لأنفسهن. وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني:
" أن تقر " بضم التاء وكسر القاف " أعينهن " بنصب النون.
(ويرضين بما آتيتهن كلهن) أي: بما أعطيتهن من تقريب وتأخير (والله يعلم ما في قلوبكم) من الميل إلى بعضهن. والمعنى: إنما خيرناك تسهيلا عليك.
قوله تعالى: (لا يحل لك النساء) كلهم قرأ: " لا يحل " بالياء، غير أبي عمرو، فإنه قرأ بالتاء، والتأنيث ليس بحقيقي، إنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان. و في قوله تعالى: (من بعد) ثلاثة أقوال:
أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتهن فاخترن الله [تعالى] ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهن التسع، فصار مقصورا عليهن ممنوعا من غيرهن. وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير.
والثاني: من بعد الذي أحللنا لك، فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله تعالى: " إنا أحللنا لك أزواجك " إلى قوله [تعالى]: (خالصة لك)، قاله أبي بن كعب، والضحاك.
والثالث: لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، وتحل لك المسلمات، قاله مجاهد.