قوله تعالى: (و تخشى الناس) فيه قولان:
أحدهما: أنه خشي اليهود أن يقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنه خشي لوم الناس أن يقولوا: أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها.
قوله تعالى: (والله أحق أن تخشاه) أي: أولى أن تخشى في كل الأحوال. وليس المراد أنه لم يخش الله [تعالى] في هذه الحال، ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق، قيل له: الله أحق أن تخشى منهم. قالت عائشة: ما نزلت على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولو كتم شيئا من الوحي لكتمها.
فصل وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم] من حبها وإيثاره طلاقها. وإن كان ذلك شائعا في التفسير. قالوا: وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين:
أحدهما: أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له، فقال لزيد: " أمسك عليك زوجك " وكتم ما أخبره الله [تعالى] به من أمرها حياء من زيد أن يقول له: إن زوجتك ستكون امرأتي، وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين، وقد نصره الثعلبي، والواحدي.
والثاني: أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب، ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها، وأضمر أنه إن طلقها تزوجها صلة لرحمها، وإشفاقا عليها، لأنها كانت بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، فعاتبه الله تعالى على إضمار ذلك وإخفاؤه حين قال لزيد: " أمسك عليك زوجك "، وأراد منه أن يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء كما قيل له في قصة رجل أراد قتله: هلا أومأت إلينا بقتله؟ فقال: " ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين "، ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمة الله عليه.
قوله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا) قال الزجاج: الوطر كل حاجة لك فيها همة، فإذا بلغها البالغ، و قد قضى وطره. وقال غيره: قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشئ، ثم صار عبارة عن الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة.
والمعنى: لما قضى زيد حاجته من نكاحها (زوجناكها)، وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبني تحل وإن وطئها، وهو قوله [تعالى]: (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم)، والمعنى: زوجناك زينب - وهي امرأة زيد الذي تبنيته - لكيلا يظن أن امرأة المتبني لا يحل نكاحها. وروى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب قال