وقد قال قوم من الفقهاء إن تقليد العالم للعالم والحكم بالتقليد جائز سائغ في الدين وهي مسألة اجتهاد أعني تقليد العالم للعالم فلعل عثمان وعبد الرحمن كانا يريان جواز التقليد والحكم به وعلي عليه السلام لا يرى ذلك فأصابا فيما تعاقدا عليه وأصاب علي في امتناعه من غير قدح في العقد لأنه لا يحرم ذلك على من رآه وإن وجب عليه ألا يفعله لأنه ليس من رأيه واجتهاده. فبان بذلك أجمع زوال ما تعلقوا به في هذا الفصل.
فإن قالوا كيف يكون عقد عبد الرحمن صحيحا وهو قد أنكر على عثمان ونقم كثيرا من أفعاله وقال للصحابة لما قال له بعضهم هذا من عملك حيث عقدت لهذا الظالم الجبار فقال لهم ما علمت وإذا شئتم أخذت سيفي على عاتقي وأخذتم أسيافكم وقتلنا هذا الطاغية وأزلناه عن الأمر ونحو ذلك يقال لهم هذا أيضا من الروايات المختلفة لأن الثابت المعلوم من حال عبد الرحمن رضاه به واختياره له وقوله خطيبا بذلك إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان أحدا فوليته في نظائر لهذه الروايات مما يقتضى موالاة عبد الرحمن لعثمان فلا وجه لترك ذلك والتعلق بالتعاليل والأباطيل.
على أنه لو صح عن عبد الرحمن أنه قال إني خلعت عثمان فاقتلوا هذا الطاغية أو سيروا لخلعه لم ينخلع عثمان لهذا القول من عبد الرحمن ولا من غيره لأن الإمامة إذا ثبتت بعقد صحيح مأذون فيه لم ينخلع صاحبها بخلع العاقد له بعد ذلك ولا بخلع غيره ولا بذم أحد له ولا ينخلع بالقرف ولا بالتأويل عليه وإنما ينخلع بالجلي المعلوم من الأحداث الثابتة الظاهرة.
فيجب أن ننظر فيما أنكره عبد الرحمن بعد عقده وما نقمه القوم عليه فإن كان ما يوجب خلع الولاية وسقوط الطاعة صرنا إليه وطالبناه بموجبه وإن كان غلطا في التأويل وقرفا بالباطل أضربنا عنه ولم نحفل به.
فإن لم تقنع الشيعة وأبت إلا إبطال إمامة عثمان بهذا التأويل والروايات