المصيبة بموته وما كان من قوله وفعله في ذلك وقالت عائشة وغيرها من أصحابه إن الناس أفحموا ودهشوا حيث ارتفعت الرنة وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة بثوبه وذهل الرجال فكانوا كأجرام انتخبت منها الأرواح وحولهم أطواد من الملأ فكذب بعضهم بموته وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد الغد وخلط آخرون ولاثوا الكلام بغير بيان وبقي آخرون معهم عقولهم فكان عمر ممن كذب بموته وعلي في من أقعد وعثمان في من أخرس وخرج من في البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى وخرج عمر إلى الناس فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وليرجعنه الله وليقطعن أيديا وأرجلا من المنافقين يتمنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الموت وإنما واعد ربه كما واعد موسى وهو آتيكم.
وأما علي فإنه قعد فلم يبرح من البيت وأما عثمان فجعل لا يكلم أحدا يؤخذه بيده فيذهب ويجاء به حتى جاء الخبر أبا بكر وتواتر أهل البيت إليه بالرسل فلقيه أحدهم بعد ما مات صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وغصصه ترتفع كقطع الجرة وهو في ذلك جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكب عليه وكشف عن وجهه ومسحه وقبل جبينه وخديه وجعل يبكي ويقول بأبي أنت وأمي ونفس وأهلي طبت حيا وميتا وانقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد من الأنبياء والنبوة فعظمت عن الصفة المصيبة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولولا أن موتك كان اختيارا منك لجدنا لموتك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء الشؤون. فأما ما لا تستطيع نفيه عنا فكمد وإدناف يتحالفان لا يبرحان اللهم فأبلغه عنا اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفته من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا ثم خرج لما قضى الناس عبراتهم وقام خطيبا فخطب فيهم خطبة جلها الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم