قيل له يؤمننا من ذلك توقيف النبي وإجماع المسلمين على أنه لا يفعل ذلك. وعلى أنه قد أخبر أخبارا علموا قصده به ضرورة إلى أن ذلك لا يكون. ولولا هذا التوقيف والخبر لأجزنا ما سألت عنه.
فإن قال وهل يجوز وقوع الكذب منه والأمر به وبسائر المعاصي؟.
قيل له أما الكذب فلا يجوز عليه لا لأنه يستقبح منه فحسب ولكن لأن الوصف له بأنه صادق من صفات نفسه. ومن كان صدقه من صفات نفسه استحال عليه الكذب كما أن من كان الوصف له بأنه قادر عالم من صفات النفس استحال أن يعجز أو يجهل. وليس وجه إحالة هذه الأمور عليه لأجل القبح فقط لكن لاستحالتها عليه بأدلة العقول.
فأما قولك هل يجوز أن يأمر بالمعاصي والكذب فإن ذلك جائز على معنى أنه لو أمر بها لكان أمره بها قديما ولكانت تكون طاعات مستحسنات بدلا من كونها معاصي. إذ كان العصيان إنما يصير عصيانا بالنهي لا لجنسه ونفسه. وقد أمرنا بالكذب في بعض المواضع وأبيح للخائف في دار الحرب على نفسه الكذب. فبان بجميع ما قلناه صحة ما ذهبنا إليه في هذا الباب.