فإن قالوا أفليس قد تمدح بقوله «لا تأخذه سنة ولا نوم» و «ما اتخذ الله من ولد» ولم يجب أن يكون كل من شركه في ذلك ممدوحا من الأعراض والموات؟.
قيل لهم إنما تمدح جل اسمه بنفي الآفات عنه مع جوازها على غيره من الأحياء وكل حي يمتنع ذلك عليه فإنه ممدوح به وممدوح أيضا بكونه حيا ليس بميت. فنحن إذا قلنا إنه متمدح بكونه حيا وأن السنة والنوم لا تأخذه فقد مدحناه بالأمرين. والمعتمد في هذا أنه سبحانه ذكر السنة والنوم تنبيها على أن جميع الأعراض ودلالات الحدوث لا تجوز عليه ولم يرد نفي السنة والنوم فقط. وفي الأعراض والميت والجماد من دلائل الحدوث مثل ما في النائم والوسنان. وإنما يمدح الشيء بنفي ما يدل على الحدوث إذا لم يكن فيه ما ينوب في الدلالة منابه. فسقط بذلك ما اعترضوا عليه.
ويمكن أن يكون وجه التمدح بقوله «لا تدركه الأبصار» أنه تعالى يدرك الأشياء وأنه موجود يصح أن يدرك وأنه قادر على أن يمنعنا من إدراكه وأن كل من يرانا يمكن أن نراه من الخلق وأنه هو تعالى قد منعنا من الإدراك له إن كان مدركا لنا وأنه ليس فيمن يدركنا ببصره من يمكنه أن يخلق فينا ما يضاد رؤيته وينفيها. فيكون متمدحا بقدرته على خلق ما يضاد رؤيته. وكونه قادرا على خلق ضد رؤيته لازم له أبدا لا يتغير عنه وكونه خالقا لما يضاد رؤيته تمدح ببعض أفعاله.