قيل لهم إنما تمدح بقوله «وهو يدرك الأبصار» ولم يتمدح باستحالة إدراكه بالأبصار لأن الطعوم والروائح وأكثر الأعراض لا يجوز عندكم أن ترى بالأبصار وليست ممدوحة بذلك.
فإن قالوا فما أنكرتم أن يكون إنما تمدح بأنه يدرك الأبصار وأنها لا تدركه؟
قيل لهم هذا باطل لأن الوصفين اللذين يتمدح بهما لا بد أن يكون في كل واحد منهما مدح بمجرده نحو قوله «إنه عزيز حكيم» و «عليم قدير» وكل واحد من الوصفين مدحة في نفسه تجرد أو انضم إلى. ولما لم يكن كون المعدوم غير مدرك بالبصر مدحا له عندنا وعندكم بطل ما قلتم لأن أكثر الموجودات عندكم لا يجوز أن يدرك بالأبصار وكل المعدومات عندنا وعندكم لا يدرك بالأبصار وليست بذلك ممدوحات. ألا ترى أنه لو قال الله عز وجل إني عالم معلوم وموجد موجود لكان متمدحا بقوله إني عالم موجد ولم يكن متمدحا بما ضامه من كونه معلوما وموجودا إذا شاركه عندنا وعندكم في هذين الوصفين ما ليس بممدوح بهما فكذلك المدح في قوله «وهو يدرك الأبصار» دون قوله «لا تدركه الأبصار».