وقوله: إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: إن في مخالفة الله عز وجل بين هذا القطع من الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا لدليلا واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان، فوفق هذا وخذل هذا، وهدى ذا وأضل ذا، ولو شاء لسوى بين جميعهم، كما لو شاء سوى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربا واحدا، وتسقى سقيا (واحدا)، وهي متفاضلة في الأكل. القول في تأويل قوله تعالى:
(وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) يقول تعالى ذكره: وإن تعجب يا محمد من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دوني، فعجب قولهم أئذا كنا ترابا وبلينا فعدمنا أئنا لفي خلق جديد أإنا لمجدد إنشاؤنا وإعادتنا خلقا جديدا كما كنا قبل وفاتنا؟ تكذيبا منهم بقدرة الله، وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن تعجب فعجب إن عجبت يا محمد فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
وإن تعجب فعجب قولهم قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم: أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أو لا يرون أنا خلقناهم من نطفة، فالخلق من نطفة أشد أم الخلق من تراب وعظام؟.
واختلف في وجه تكرير الاستفهام في قوله: أئنا لفي خلق جديد بعد الاستفهام الأول في قوله: أئذا كنا ترابا أهل العربية، فقال بعض نحويي البصرة: الأول ظرف،