وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك بقوله: وعنده أم الكتاب فكان بينا أن معناه: وعنده أصل المثبت منه والمحو، وجملته في كتاب لديه.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ويثبت فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة:
ويثبت بتشديد الباء بمعنى: ويتركه ويقره على حاله، فلا يمحوه. وقرأه بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: ويثبت بالتخفيف، بمعنى: يكتب، وقد بينا قبل أن معنى ذلك عندنا: إقراره مكتوبا وترك محوه على ما قد بينا، فإذا كان ذلك كذلك فالتثبيت به أولى، والتشديد أصوب من التخفيف، وإن كان التخفيف قد يحتمل توجيهه في المعنى إلى التشديد والتشديد إلى التخفيف، لتقارب معنييهما.
وأما المحو، فإن للعرب فيه لغتين: فأما مضر فإنها تقول: محوت الكتاب أمحوه محوا، وبه التنزيل، ومحوته أمحاه محوا. وذكر عن بعض قبائل ربيعة: أنها تقول: محيت أمحى. القول في تأويل قوله تعالى:
(وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين بالله من العقاب على كفرهم، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك، فإنما عليك أن تنتهي إلى طاعة ربك فيما أمرك به من تبليغهم رسالته، لا طلب صلاحهم ولا فسادهم، وعلينا محاسبتهم فمجازاتهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. القول في تأويل قوله تعالى:
(أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أو لم ير هؤلاء المشركون