وأما قوله: والله يحكم لا معقب لحكمه يقول: والله هو الذي يحكم فينفذ حكمه، ويقضي فيمضي قضاؤه، وإذا جاء هؤلاء المشركين بالله من أهل مكة حكم الله وقضاؤه لم يستطيعوا رده. ويعني بقوله: لا معقب لحكمه: لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب: هو الذي يكر على الشئ، وقوله: وهو سريع الحساب يقول: والله سريع الحساب يحصي أعمال هؤلاء المشركين لا يخفى عليه شئ ومن وراء جزائهم عليها. القول في تأويل قوله تعالى:
(وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورسله فلله المكر جميعا يقول: فلله أسباب المكر جميعا، وبيده وإليه، لا يضر مكر من مكر منهم أحدا إلا من أراد ضره به، يقول: فلم يضر الماكرون بمكرهم إلا من شاء الله أن يضره ذلك، وإنما ضروا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم، ونجى رسله: يقول: فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك يا محمد، والله منجيك من مكرهم، وملحق ضر مكرهم بهم دونك. وقوله:
يعلم ما تكسب كل نفس يقول: يعلم ربك يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك وما يسعون فيه من المكر بك، ويعلم جميع أعمال الخلق كلهم، لا يخفى عليه شئ منها. وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار يقول: و سيعلمون إذا قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار، ويدخل المؤمنون بالله ورسوله الجنة.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته قراء المدينة وبعض أهل البصرة: وسيعلم الكافر على التوحيد. وأما قراء الكوفة فإنهم قرأوه: وسيعلم الكفار على الجمع.
والصواب من القراءة في ذلك القراءة على الجمع: وسيعلم الكفار لان الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعده الخبر عنهم، وذلك قوله: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك وبعده قوله: ويقول الذين كفروا لست مرسلا. وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود: وسيعلم الكافرون، وفي قراءة أبي: وسيعلم الذين كفروا وذلك كله دليل على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: