وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول على في قوله: على الآخرة فكان بعض نحويي البصرة يقول: أوصل الفعل ب على، كما قيل: ضربوه في السيف، يريد بالسيف، وذلك أن هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف، نحو قول العرب: نزلت زيدا، ومررت زيدا، يريدون: مررت به، ونزلت عليه. وقال بعضهم: إنما أدخل ذلك، لان الفعل يؤدي عن معناه من الأفعال، ففي قوله: يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ولذلك أدخلت على. وقد بينت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب بما أغنى عن الإعادة. القول في تأويل قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا إلى أمة من الأمم يا محمد من قبلك ومن قبل قومك رسولا إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم، ليبين لهم يقول: ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونهيه، ليثبت حجة الله عليهم، ثم التوفيق والخذلان بيد الله، فيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم، ويوفق لقبوله من شاء ولذلك رفع فيضل، لأنه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله، كما قيل: لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء وهو العزيز الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به، والحكيم في توفيقه للايمان من وفقه له وهدايته له من هداه إليه، وفي إضلاله من أضل عنه، وفي غير ذلك من تدبيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه: أي بلغة قومه ما كانت، قال الله عز وجل: ليبين لهم الذي أرسل إليهم ليتخذ بذلك الحجة، قال الله عز وجل: فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم. القول في تأويل قوله تعالى: