والصواب من القول في ذلك عندي، أنهم قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع، أراد معنى من خفض في اتباع الكلام بعضه بعضا، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله، كما قال جل ثناؤه: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم... إلى آخر الآية، ثم قال: التائبون العابدون. ومعنى قوله: الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض الله الذي يملك جميع ما في السماوات وما في الأرض يقول لنبيه محمد (ص): أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرا ولا نفعا من الآلهة والأوثان. ثم توعد جل ثناؤه من كفر به ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له، فقال: وويل للكافرين من عذاب شديد يقول: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم، لمن جحد وحدانيته وعبد معه غيره، من عذاب الله الشديد. القول في تأويل قوله تعالى:
(الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد) يعني جل ثناؤه بقوله: الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعهم ومعاصي الله فيها على طاعة الله وما يقربهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة. ويصدون عن سبيل الله يقول: ويمنعون من أراد الايمان بالله واتباع رسوله على ما جاء به من عند الله من الايمان به واتباعه. ويبغونها عوجا يقول:
ويلتمسون سبيل الله، وهي دينه الذي ابتعث به رسوله. عوجا: تحريفا وتبديلا بالكذب والزور. والعوج بكسر العين وفتح الواو في الدين والأرض وكل ما لم يكن قائما، فأما في كل ما كان قائما كالحائط والرمح والسن فإنه يقال بفتح العين والواو جميعا عوج يقول الله عز ذكره: أولئك في ضلال بعيد يعني: هؤلاء الكافرين الذي يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، يقول: هم في ذهاب عن الحق بعيد، وأخذ على غير هدى، وجور عن قصد السبيل.