وقوله: ولدار الآخرة خير يقول تعالى ذكره: هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، إن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم خير. وترك ذكر ما ذكرنا اكتفاء بدلالة قوله: ولدار الآخرة خير للذين اتقوا عليه، وأضيفت الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، لاختلاف لفظهما، كما قيل: إن هذا لهو حق اليقين وكما قيل: أتيتك عام الأول، وبارحة الأولى، وليلة الأولى، ويوم الخميس، وكما قال الشاعر:
أتمدح فقعسا وتذم عبسا * ألا لله أمك من هجين ولو أقوت عليك ديار * عبس عرفت الذل عرفان اليقين يعني عرفانا به يقينا.
فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
وقوله: أفلا تعقلون يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقة ما نقول لهم ونخبرهم به من سوء عاقبة الكفر، وغب ما يصير إليه حال أهله مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حل بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبة رسل بها. القول في تأويل قوله تعالى:
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى، فدعوا من أرسلنا إليهم، فكذبوهم، وردوا ما أتوا به من عند الله، حتى إذا استيأس الرسل الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدقوهم فيما أتوهم به من عند الله، وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذبة أن الرسل الذين أرسلناهم، قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله من وعده إياهم نصرهم عليهم، جاءهم نصرنا. وذلك قول جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: