وهذا تأويل وقول، غيره من أهل التأويل أولى عندي بالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل، إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم، فيعذروا في ذلك أن المرسل إليهم لاولى في ذلك منهم بالعذر، وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره. وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة، فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا. ذكر الرواية بذلك عنها رضوان الله عليها:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا فقال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا، قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ الله، ما حدث الله رسوله شيئا قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل، حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم. فكانت تقرؤها: قد كذبوا تثقلها.
قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرا. وتلا ابن عباس: حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضعفوا، فظنوا أنهم أخلفوا. قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدا (ص) من شئ إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: وظنوا أنهم قد كذبوا مثقله، للتكذيب.
قال: ثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قال: قلت لها قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كذبوا.