كذبوا وافتروا على الله بكفرهم بها. ويكون الظن موجها حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوله الحسن وقتادة.
وأما قوله: فنجي من نشاء فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأه عامة قراء أهل المدينة ومكة والعراق: فننجي من نشاء بنونين، بمعنى: فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا، دون الكافرين الذين كذبوا رسلنا إذا جاء الرسل نصرنا. واعتل الذين قرأوا ذلك كذلك أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لان إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من أنجى ينجي، والأخرى النون التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها، لأنهما حرفان أعني النونين من جنس واحد يخفى الثاني منهما عن الاظهار في الكلام، فحذفت من الخط واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه. وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون الثانية وشدد الجيم. وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء على معنى فعل ذلك به من نجيته أنجيه. وقرأ ذلك بعض المكيين: فنجا من نشاء بفتح النون والتخفيف، من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ: فننجي من نشاء بنونين، لان ذلك هو القراءة التي عليها القراءة في الأمصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القراء، وغير جائز خلاف ما كان مستفيضا بالقراءة في قراءة الأمصار. وتأويل الكلام: فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا كما:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي: قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فننجي من نشاء فننجي الرسل ومن نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل، فدعوا قومهم. وأخبروهم أنه من أطاع نجا ومن عصاه عذب وغوى.
وقوله ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين يقول: ولا ترد عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده. القول في تأويل قوله تعالى: