قتادة: حتى إذا استيأس الرسل قال: من قومهم وظنوا أنهم قد كذبوا قال: وعلموا قد كذبوا، جاءهم نصرنا.
وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قراء المدينة والبصرة والشام، أعني بتشديد الذال من كذبوا وضم كافها. وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لأنه لم يوجه الظن في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين، مع أن الظن إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة، فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة فإنها لا تستعمل فيه الظن، لا تكاد تقول: أظنني حيا وأظنني إنسانا، بمعنى: أعلمني إنسانا وأعلمني حيا.
والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنت بأممها أنها كذبتها.
وروي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويل خلاف تأويلهم وقراءة غير قراءة جميعهم، وهو أنه فيما ذكر عنه كان يقرأ: وظنوا أنهم قد كذبوا بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال. ذكر الرواية عنه بذلك: حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها: كذبوا بفتح الكاف بالتخفيف. وكان يتأوله كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن تعذب قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاءهم نصرنا، قال: جاء الرسل نصرنا. قال مجاهد: قال في المؤمن: فلما جاءتهم رسلنا بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم قال: قولهم نحن أعلم منهم، ولن نعذب. وقوله:
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها لاجماع الحجة من قراء الأمصار على خلافها، ولو جازت القراءة بذلك لاحتمل وجها من التأويل وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو:
حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومها المكذبة بها، وظنت الرسل أن قومها قد