ضجنان وعسفان، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأبكارهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم ميلة واحدة! وإن جبريل أتى النبي (ص) وأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي بعضهم وتقوم طائفة أخرى وراءهم فيأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم يأمر الأخرى فيصلوا معه ويأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله (ص)، ولرسول الله (ص) ركعتين.
وقال آخرون: عنى به القصر في السفر، إلا أنه عنى به القصر في شدة الحرب وعند المسايفة، فأبيح عند التحام الحرب للمصلى أن يركع ركعة إيماء برأسه حيث توجه بوجهه.
قالوا: فذلك معنى قوله: * (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) *. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: * (وإذا ضربتم في الأرض) *... الآية، قصر الصلاة إن لقيت العدو وقد حانت الصلاة أن تكبر الله وتخفض رأسك إيماء راكبا كنت أو ماشيا.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال: عنى بالقصر فيها القصر من حدودها، وذلك ترك إتمام ركوعها وسجودها، وإباحة أدائها كيف أمكن أداؤها مستقبل القبلة فيها ومستدبرها وراكبا وماشيا، وذلك في حال الشبكة والمسايفة والتحام الحرب وتزاحف الصفوف، وهي الحالة التي قال الله تبارك وتعالى: * (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * وأذن بالصلاة المكتوبة فيها راكبا إيماء بالركوع والسجود على نحو ما روي عن ابن عباس من تأويله ذلك.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بقوله: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * لدلالة قول الله تعالى: * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * على أن ذلك كذلك، لان إقامتها إتمام حدودها من الركوع والسجود وسائر فروضها دون الزيادة في عددها التي لم تكن واجبة في حال الخوف.