بالطريق من أرضهم أرض الشرك إلى أرض الاسلام من القوم الذين أخبر جل ثناؤه أن مأواهم جهنم أن تكون جهنم مأواهم، للعذر الذي هم فيه، على ما بينه تعالى ذكره.
ونصب المستضعفين على الاستثناء من الهاء والميم اللتين في قوله: * (فأولئك مأواهم جهنم) *، يقول الله جل ثناؤه: * (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) * يعني: هؤلاء المستضعفين، يقول: لعل الله أن يعفو عنهم للعذر الذي هم فيه وهم مؤمنون، فيتفضل عليهم بالصفح عنهم في تركهم الهجرة، إذ لم يتركوها اختيارا ولا إيثارا منهم لدار الكفر على دار الاسلام، ولكن للعجز الذي هم فيه عن النقلة عنها. * (وكان الله عفوا غفورا) * يقول: ولم يزل الله عفوا، يعني ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بتركه العقوبة عليها، غفورا ساترا عليهم ذنوبهم بعفوه لهم عنها. وذكر أن هاتين الآيتين والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا وآمنوا بالله وبرسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله (ص) حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين، فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها، التي بينها في قوله خبرا عنهم: * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) *.
ذكر الأخبار الواردة بصحة ما ذكرنا من نزول الآية في الذين ذكرنا أنها نزلت فيهم:
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا أشعث، عن عكرمة: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * قال: كان ناس من أهل مكة أسلموا، فمن مات منهم بها هلك، قال الله: * (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) * إلى قوله: * (عفوا غفورا) * قال ابن عباس: فأنا منهم وأمي منهم، قال عكرمة: وكان العباس منهم. حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالاسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم. فنزلت: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم) *... الآية، قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم. قال: فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله) *...