وناحيتهم التي هم بها، فنردها على أدبارها من حيث جاءوا منه بدءا من الشام. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) * قال: كان أبي يقول: إلى الشام.
وقال آخرون: معنى ذلك: من قبل أن نطمس وجوها فنمحوا آثارها ونسويها، فنردها على أدبارها بأن نجعل الوجوه منابت الشعر، كما وجوه القردة منابت للشعر، لان شعور بني آدم في أدبار وجوههم، فقالوا: إذا أنبت الشعر في وجوههم، فقد ردها على أدبارها بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى قوله: * (من قبل أن نطمس وجوها) *: من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسويها كالأقفاء، فنردها على أدبارها، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعني بذلك: فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه: فنحول الوجوه أقفاء، والأقفاء وجوها، فيمشون القهقري، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة) * ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله: * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) *... الآية، بأسه وسطوته، وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالايمان به، ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالايمان به يومئذ كفارا. وإذ كان ذلك كذلك، فبين فساد قول من قال: تأويل ذلك أن نعميها عن الحق فنردها في الضلالة، فما وجه رد من هو في الضلالة فيها؟ وإنما يرد في الشئ من كان خارجا منه، فأما من هو فيه فلا وجه لان يقال: يرده فيه. وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحا أن الله قد تهدد الذين ذكرهم في هذه الآية برده وجوههم على أدبارهم، كان بينا فساد تأويل من قال: معنى ذلك يهددهم بردهم في ضلالتهم.
وأما الذين قالوا: معنى ذلك: من قبل أن نجعل الوجوه منابت الشعر كهيئة وجوه القردة، فقول لقول أهل التأويل مخالف، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدا.
وأما قول من قال: معناه: من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها فنردهم إلى الشام