القول في تأويل قوله تعالى: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) *. يعني بذلك جل ثناؤه: فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم، ولكنه ترك ذكر منه اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
والمسح منه بالوجه أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر، أو ما قام مقامه، فيمسح بما علق من الغبار وجهه، فإن كان الذي علق به الغبار كثيرا، فنفخ عن يديه أو نفضه، فهو جائز. وإن لم يعلق بيديه من الغبار شئ، وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد، ثم مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك، لاجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد وهو أرض رمل فلم يعلق بيديه منها شئ فتيمم به أن ذلك مجزئه، لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتد بخلافه. فلما كان ذلك إجماعا منهم كان معلوما أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين مباشرة الصعيد بهما بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما، لا لاخذ تراب منه. وأما المسح باليدين، فإن أهل التأويل اختلفوا في الحد الذي أمر الله بمسحه من اليدين، فقال بعضهم: حد ذلك الكفان إلى الزندين، وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين. ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن أبي مالك، قال: تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة، ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى، ثم مسح وجهه، ثم ضرب بيديه أخرى، فجعل يلوي يده على الأخرى ولم يمسح الذراع.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، قال: رأيت الشعبي وصف لنا التيمم: فضرب بيديه إلى الأرض ضربة، ثم نفضهما ومسح وجهه، ثم ضرب أخرى، فجعل يلوي كفيه إحداهما على الأخرى، ولم يذكر أنه مسح الذراع.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن أبي مالك، قال:
وضع عمار بن ياسر كفيه في التراب، ثم رفعهما فنفخهما، فمسح وجهه وكفيه، ثم قال:
هكذا التيمم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا سلام مولى حفص، قال:
سمعت عكرمة، يقول: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين.
حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن سعيد وابن جابر، أن مكحولا كان يقول: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع، ويتأول