ومن الطبيعي ألا يكون المقصود هنا المسيحيين الذين يمارسون أقذر الأعمال وأكثرها إجراما وانحطاطا بحق الشعوب المستضعفة، هؤلاء الذين تلبسوا بلباس الإنسانية، وهم في الحقيقة ذئاب مفترسة تصبغ حياة المحرومين بلون الدم والظلام.. ثم يضيف سبحانه: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (1).
ومما تقدم يتضح لنا أن هؤلاء ليسوا ممن لم يراعوا مبدأ التوحيد للسيد المسيح (عليه السلام) فقط، بل دنسوه بأنواع الشرك، ولم يراعوا أيضا حتى حق الرهبانية التي ابتدعوها باسم الزهد، حيث وضعوا مكائد في طريق خلق الله، وجعلوا من الأديرة والكنائس مراكز لأنواع الفساد، وأوجدوا انحرافا خطيرا في رسالة السيد المسيح (عليه السلام).
ومن مفهوم الآية يتضح لنا أن الرهبانية لم تكن جزءا من رسالة السيد المسيح (عليه السلام)، إلا أن أتباعه هم الذين ابتدعوها من بعده، حيث بدأت بشكل معتدل ثم مالت نحو الانحراف.
وطبقا لتفسير آخر فإن نوعا من الرهبانية والزهد كان من مبدأ السيد المسيح (عليه السلام)، إلا أن أتباعه وأصحابه ابتدعوا نوعا آخر من الرهبانية لم يقررها الله لهم (2).