وتعبير (مما) تعبير عام ولا يشمل الأموال فحسب بل كل الممتلكات والهبات الإلهية. وهنا يعني أن للإنفاق مفهوما واسعا ولا ينحصر بالمال فقط، بل يشمل - أيضا - العلم والهداية والسمعة الاجتماعية ورؤوس الأموال المعنوية والمادية.
ثم يقول تعالى في الحث على الإنفاق: فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير.
إن وصف الأجر بأنه " كبير " إشارة إلى عظمة الألطاف الإلهية والهبات الإلهية، وأبديتها وخلوصها ودوامها ليس في الآخرة فحسب، بل في عالم الدنيا أيضا حيث أن قسما من الأجر سوف يكون من نصيب الإنسان في الدنيا.
وبعد الأمر بالإيمان والإنفاق يعطي بيانا لكل منهما، وهو بمثابة الاستدلال والبرهان، وذلك بصورة استفهام توبيخي ابتداءا، حيث يستفسر عن علة عدم قبول دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الإيمان بالله فيقول سبحانه: وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين يعني أنكم إذا كنتم مستعدين حقيقة وصدقا لقبول الحق، فإن دلائله واضحة عن طريق الفطرة والعقل، وكذلك عن طريق النقل.
وهذا رسول الله قد أتى لكم بدلائل واضحة وآيات ومعجزات باهرة، وهذه آثار الله سبحانه في عالم الخلق وفي أنفسكم وقد أخذ نوعا من العهد التكويني منكم، فآمنوا به، إلا أنكم - مع الأسف - لا تقيمون وزنا لعقلكم وفطرتكم، وكذلك لا تعيرون اهتماما لتوجيهات الوحي، ويبدو أنكم غير مستعدين ومهيئين للإيمان أصلا، وقد غلب الجهل والتعصب والتقليد الأعمى على أفكاركم ونفوسكم.
ويتوضح مما قلناه أن المقصود من جملة إن كنتم مؤمنين هو أنكم إذا كنتم مستعدين للإيمان بشئ وتقبلون أدلته فهذا هو محله، لأن دلائله واضحة من كل جهة.
والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا هي معرفة السبب الذي يمنع هؤلاء الذين