المحكمة ويخفون أنفسهم في المواضع ووراء المتاريس وخلف الأسلحة، ويسيطر عليهم الخوف ويهيمن عليهم الرعب ويملأ كل وجودهم، والحقيقة أن المسلمين إذا جعلوا إيمانهم وقيمهم الإسلامية هي الأساس فإنهم منتصرون ومتفوقون على الأعداء بلا ريب.
ولهذا السبب - واستمرارا لما ورد في نفس الآية - نستعرض سببا آخر من أسباب اندحار المنافقين، حيث يقول سبحانه: تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون.
" شتى " بمعنى (شتيت) أي متفرق.
إن القرآن الكريم في تحليل المسائل بشكل دقيق جدا وملهم يؤكد على أن (التفرقة والنفاق الداخلي) وليدة (الجهل وعدم المعرفة) لأن الجهل عامل الشرك، والشرك عامل للتفرقة، والتفرقة تسبب الهزيمة. وبالعكس فإن " العلم " عامل لوحدة العقيدة والعمل والانسجام والاتفاق، وهذه الصفات بحد ذاتها مصدر للانتصار.
وهكذا فإن الانسجام الظاهري للعناصر غير المؤمنة والاتفاقيات العسكرية والاقتصادية يجب ألا تخدعنا أبدا، لأن وراءها قلوب متناحرة متنافرة، ودليلها واضح وهو انهماك كل منهم بمنافعه المادية بشكل شديد، وبما أن المنافع غالبا ما تكون متعارضة، فعندئذ تبرز الاختلافات والشحناء فيما بينهم، ولن تغني عن ذلك العهود والاتفاقيات وشعارات الوحدة والانسجام الظاهري. في الوقت الذي تكون فيه وحدة وانسجام المؤمنين على قواعد وأصول ربانية كأصل الإيمان والتوحيد والقيم الإلهية، وإذا أصيب المسلمون بانتكاسة في أعمالهم فإن ذلك دليل على ابتعادهم عن حقيقة الإيمان وما لم يعودوا إلى الإيمان فإن وضعهم لن يتحسن.
* * *