وقد قيل: إن الحقائق الحكمية لا تقتنص من الإطلاقات العرفية إلا أن بعد المسائل الربوبية واصطعاب فهم البحوث الإلهية والمطالب الراجعة إلى ما وراء الطبيعة على الأفهام السوقية والعقول العادية، وشدة البينونة بين نطاق فلك الإلهيات بالمعنى الأخص والأعم، ونطاق فلك اللغات والتبادرات، تقتضي كون الألفاظ قاصرة عن الدلالة الوضعية اللغوية على تلك المعاني الآفاقية، فلابد أن يتشبث بأذيال الاستعارات والكنايات والمجازات، لإفهام تلك الخيالات الراقية والمدارك الروحانية.
نعم دعوى: أن الواضع هو الله تعالى أو الأنبياء والرسل أو الملائكة المقدسة - لتثبيت هذه المقالة - ممكنة، إلا أنها غير وجيهة حسب ما تقرر في الأصول (1)، وكان الوالد المحقق - مد ظله - في بعض كتبه العقلية والأخلاقية مصرا على تثبيت تلك المقالة، وفاقا لأرباب العرفان والسلوك وأصحاب الإيقان والشهود (2)، ولا أظن التزامه بذلك في محله، وهو العلوم الاعتبارية كالفقه والأصول، فالحق أحق أن يتبع من عقول الرجال.