والذي يظهر: أن تفسير الرحمة بالمغفرة مأخوذ من انتسابها إليه تعالى، وإلا فلو قلنا بأن زيدا رحيم بعبده، فلا يتبادر منه إلا المعنى الانفعالي، فعلى هذا يشكل تصحيح اللغة في هذه الاستعمالات.
وأما ما عرفت آنفا - وهو المعروف في الكتب العرفانية - وإجماله:
أن الألفاظ موضوعة للمعاني العامة من جهتها الكمالية، وليست حيثيات النقص داخلة في الموضوع له، فإذا قلنا بأن معنى العلم هو حصول صورة الشئ عند النفس، فلا يراد منه إلا جهة الكمالية، وهو انكشاف هذا الشئ بتلك الصورة من غير نظر إلى الخصوصيات الانفعالية، فلو كان موجود عالما بالشئ لا بالنحو المزبور، فهو يكون عالما حقيقة لا مجازا، وهكذا في سائر اللغات، فمجرد كون الواضع نوع الإنسان، وأنه مشوب الذهن بالماديات وأطوارها، لا يستلزم تحدد حدود الموضوع له، ولا انحصار اللغة بالمصاديق التي احتاج البشر السابق إلى استعمالها فيها، بل الموضوع له عام وأعم، ولا يدخل في حده جهات النقص والعدمية.
فهذا هو مرام جمع من شركائنا في مسالكهم العرفانية، وبذلك ينفتح باب التأويل في الكتاب العزيز، ويكون جميع ما ورد تأويلا له موافقا للغة وحقيقة من الحقائق اللفظية.
ثم أقول: إن الإنسان الخبير والمطلع البصير، الغير الخالط بين المراتب وشتات المسائل، الحافظ في كل مقام حد ذلك المقام والرتبة، لابد وأن لا يخلط بين المباحث اللغوية والأوضاع وبين المسائل العرفانية والفلسفية، فإن الخلط بينهما كثيرا يؤدي إلى المفاسد العجيبة، نظير الخلط الشائع بين أبناء العلوم الاعتبارية، بين المسائل