الألفاظ، فإطلاق الرحم والرضا والغضب وأشباهها، ليس باعتبار تحقق الآثار فقط مجردة عن المبادئ، بل باعتبار مبادئ تلك الأفعال التي هي الأصل لها، فحقيقة الرحمة هو المعنى الذي باعتباره يرحم الممكنات، وإليه يشير ما في " المجمع " عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن لله عز وجل مائة رحمة، أنزل الله منها واحدة إلى الأرض، فقسمها بين خلقه بها يتعاطفون " (1) الحديث.
فإطلاق " الرحمن " و " الرحيم " عليه تعالى، باعتبار كونه ذا الرحمة الواسعة والمبدأ لها والجاعل إياها، وقيامها به قيام صدور لا حلول، كما يوصف الإنسان بصفات الأفعال الصادرة منه (2). انتهى ما أردنا نقله بإجماله مع تصرف ما في عبائره.
أقول: تارة يطلق الرحيم بالإضافة إلى القلب ومثله، فلا يراد منه إلا الرقة والتعطف، وأخرى يطلق ويراد منه الغفران والمغفرة، فهل هنا معنى واحد مركب موضوع له الرحمة، وهي رقة القلب الباعثة إلى المغفرة والإغماض، أو هنا معنيان أحدهما غير الآخر؟
فإن قلنا بالأول فلابد من الالتزام بالمجازية، وإن قلنا بالثاني فلا.
وقضية صراحة كلمات اللغويين هو الثاني، فإذا قلنا: هو الرحيم، فليس معناه أنه الرقيق وذو الانعطاف، بل معناه أنه الغافر، ولا يستلزم الغفران انفعال الذات من الأفعال حتى يمتنع في حقه تعالى.