الدعاء تعظيما له. وقال ابن الأخشيد: يجوز ذلك، لأن الإجابة كالنعمة في احتمالها أن يكون ثوابا وتعظيما، وأن يكون استصلاحا ولطفا * (قال) * إبليس * (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) * قيل فيه أقوال أحدها: إن الإغواء الأول والثاني بمعنى الإضلال، أي: كما أضللتني لأضلنهم، وهذا لا يجوز لأن الله سبحانه لا يضل عن الدين إلا أن يحمل على أن إبليس كان معتقدا للخير وثانيها: إن الإغواء الأول والثاني بمعنى التخييب أي: بما خيبتني من رحمتك، لأخيبنهم بالدعاء إلى معصيتك، عن الجبائي وثالثها: إن معناه بما أضللتني عن طريق جنتك، لأضلنهم بالدعاء إلى معصيتك ورابعها: بما كلفتني السجود لآدم الذي غويت عنده، فسمي ذلك غواية كما قال فزادتهم رجسا إلى رجسهم لقا ازدادوا عندها، عن البلخي، والباء في قوله: * (بما أغويتني) * قيل: إن معناه القسم ههنا، عن أبي عبيدة. وقيل: هي بمعنى السبب أي: بكوني غاويا لأزينن، كما يقال بطاعته لندخلن الجنة، وبمعصيته لندخلن النار. ومفعول التزيين محذوف، وتقديره لأزينن الباطل لهم أي: لأولاد آدم، حتى يقعوا فيه.
ثم استثنى من جملتهم فقال * (إلا عبادك منهم المخلصين) * وهم الذين أخلصوا عبادتهم لله، وامتنعوا عن عبادة الشيطان، وانتهوا عما نهاهم الله عنه. ومن قرأ * (المخلصين) * بفتح اللام، فهم الذين أخلصهم الله بأن وفقهم لذلك، ولطف لهم فيه، ليس للشيطان عليهم سبيل * (قال) * الله سبحانه * (هذا صراط علي مستقيم) * قيل فيه وجوه أحدها: إنه على وجه التهديد له كما تقول لغيرك: إفعل ما شئت، وطريقك علي أي: لا تفوتني، عن مجاهد، وقتادة، ومثله قوله * (إن ربك لبالمرصاد) * وثانيها: معناه ان ما نذكره من أمر المخلصين والغاوين، طريق ممره علي أي: ممر من مسلكه علي مستقيم، لا عدول فيه عني، وأجاز لي كلا من الفريقين بما عمل وثالثها: ان معناه هذا دين مستقيم علي بيانه، والهداية إليه.
* (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * هذا إخبار منه تعالى، بأن عباده الذين يطيعونه، وينتهون إلى أوامره، لا سلطان للشيطان عليهم، ولا قدرة له على أن يكرههم على المعصية، ويحملهم عليها، ولكن من يتبعه، فإنما يتبعه باختياره. قال الجبائي: وذلك على أن الجن لا يقدرون على الإضرار ببني آدم، لأنه على عمومه.
ثم استثنى سبحانه من جملة العباد من يتبع إبليس على إغوائه، وينقاد له، ويقبل