له والجنب يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث وهو لغة بمعنى البعيد وشرعا البعيد عن أحكام الطاهرين لغيبوبة الحشفة في الفرج أو لخروج المني يقظة أو نوما ونصبه على العطف على الجملة الحالية والاستثناء من عامة أحوال المخاطبين والمعنى على التفسير الأول الذي عليه أصحابنا لا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة في حال من الأحوال إلا حال اجتيازكم فيها من باب إلى باب وعلى الثاني لا تصلوا وأنتم على جنابة في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين وما تضمنت الآية الكريمة على التفسير الأول من إطلاق جواز اجتياز الجنب في المساجد مقيد عند علمائنا بما عدا المسجدين كما وردت به الروايات عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم وسيجئ ذكر بعضها في الفصل الرابع وعند بعض العامة غير مقيد بذلك فيجوزون اجتيازه في المسجدين أيضا وبعضهم كأبي حنيفة لا يجوز اجتيازه في شئ من المساجد أصلا إلا إذا كان الماء في المسجد وكما دلت الآية على جاز اجتياز الجنب في المسجد فقد دلت على عدم جواز مكثه فيه وقد وردت بالنهي عنه الأخبار عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم كما سيجئ ولا خلاف في ذلك بين علمائنا إلا من أبي يعلى سلار رحمه الله فقد جعل مكث الجنب في المسجد مكروها ولم أقف له في ذلك على حجة وقد استنبط فخر المحققين قدس الله روحه من هذه الآية عدم جواز مكث الجنب في المسجد إذا تيمم تيمما مبيحا للصلاة لأنه سبحانه علق دخول الجنب إلى المسجد على الإتيان بالغسل لا غير بخلاف صلاته فإنه جل شأنه علقها على الغسل مع وجود الماء وعلى التيمم مع عدمه كما قال سبحانه بعد قوله يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا والكل مندرج تحت القيام إلى الصلاة وحمل المكث في المسجد على الصلاة قياس ونحن لا نقول به وقد يناقش رحمه الله بعد تسليم عطف الشرط الثاني في الآية الكريمة على جزاء الشرط الأول بأن هذا قياس الأولوية فإن احترام المساجد لكونها مواضع الصلاة فإذا أباح التيمم الدخول في الصلاة أباح الدخول فيها بطريق أولى وأيضا فقول الصادق عليه السلام جعل الله التراب طهورا جعله الماء طهورا يقتضي أن يستباح بالتيمم كلما يستباح بالغسل من الصلاة وغيرها لكن للبحث في هاتين المناقشتين مجال فتأمل واعلم أنه يمكن أن يستنبط من الآية عدم افتقار غسل الجنابة لدخول المسجد إلى الوضوء على التفسير الأول وللصلاة على الثاني وإلا لكان بعض الغاية غاية وأما استنباط تحريم السكر ونقصه للوضوء منها كما يعطيه كلام صاحب كنز العرفان فغير ظاهر بل الظاهر عدمه وهو ظاهر درس الجملة الشرطية في قوله تعالى في آية الوضوء وإن كنتم جنبا فاطهروا يجوز أن تكون معطوفة على جملة الشرط الواقعة في صدرها وهي قوله عز وعلا إذا قمتم إلى الصلاة فلا تكون مندرجة تحت القيام إلى الصلاة بل مستقلة برأسها والمراد يا أيها الذين آمنوا إن كنتم جنبا فاطهروا ويجوز أن تكون معطوفة على جزاء الشرط الأول أعني فاغسلوا وجوهكم فتندرج تحت الشرط ويكون المراد إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين فتوضأوا وإن كنتم جنبا فاطهروا وعلى التفسير الأول يستنبط منها وجوب غسل الجنابة لنفسه بخلاف الثاني وقد طال التشاجر بين علمائنا قدس الله أرواحهم في هذه المسألة لتعارض الأخبار من الجانبين واحتمال الآية الكريمة كلا من العطفين فالقائلون بوجوبه لنفسه عولوا على التفسير الأول وأيدوا حمل الآية عليه بالروايات
(٣١٠)