ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقد ذكر القوم في ذلك وجوها منها أن الغرض المبالغة في وضوح الأمر وظهوره بأنه لا يحتاج إلى القسم ومنها أن لا مزيدة والمعنى فأقسم وزيادتها للتأكيد شايع في نظم أهل اللسان ونثرهم و قد ورد في قوله تعالى ما منعك أن لا تسجد مع قوله تعالى في آية أخرى ما منعك أن تسجد ومنها أن التقدير فلانا أقسم حذف المبتدأ وأشبعت فتحة لام الابتداء ومنها أن المراد والله أعلم لا أقسم بهذا بل بما هو أعظم منه وهذا الوجه لا يتمشى في قوله تعالى فلا أقسم برب المشارق والمغارب ومنها أن لفظة لا رد لكلام مطوي صدر من الكفار يدل عليه ما في حيز القسم فهي في أول سورة القيامة رد لقولهم بنفي المعاد الجسماني كما يدل عليه قوله تعالى جل شأنه أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه وفي قوله تعالى فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس رد لقولهم أن القرآن سحر وافتراء كما يدل عليه جواب القسم وهو قوله سبحانه أنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين وفي الآية التي نحن فيها رد لهذا القول أيضا كما ينبئ عنه قوله جل وعلا إنه لقرآن كريم الآية فهذه وجوه خمسة في تصدير القسم بلفظة لا والله أعلم ومواقع النجوم أما مواضعها من الفلك أو مغاربها والتخصيص بها لدلالة زوال أثرها على وجود مؤثر لا يزول تأثيره أو أوقات سقوطها وغروبها والمراد أواخر الليل وقد وردت الأخبار بشرافتها واستجابة الدعاء فيها وجملة وأنه لقسم لو تعلمون عظيم معترضة بين القسم وجوابه وقد تضمنت جملة أخرى معترضة بين الموصوف وصفته وهي جملة لو تعلمون وقوله سبحانه إنه لقرآن كريم جواب القسم ومعنى كونه كريما أنه كثير النفع لتضمنه أصول العلوم المهمة من أحوال المبدء والمعاد واشتماله على ما فيه صلاح معاش العباد أو لأنه يوجب عظيم الأجر لتاليه ومستمعه والعامل بأحكامه أو أنه جليل القدر بين الكتب السماوية لامتيازه عنها بأنه معجز باق على الدهور والأعصار درس قوله تعالى في كتاب مكنون أي مصون وهو اللوح المحفوظ وقيل هو المصحف الذي بأيدينا والضمير في لا يمسه يمكن عوده إلى القرآن وإلى الكتاب المكنون على كل من تفسيريه ويعتضد بالأول على منع المحدث من مس خط المصحف وبثاني شقي الثاني على المنع من مس ورقه بل جلده أيضا وأما أول شقيه فظاهر عدم دلالته على شئ من ذلك إذ معنى الآية والله أعلم لا يطلع على اللوح المحفوظ إلا الملائكة المتطهرون عن الأدناس الجسمانية وإرجاع الضمير إلى القرآن هو الذي عليه أكثر علمائنا قدس الله أرواحهم ويؤيده أن القرآن هو المحدث عنه في الآية الكريمة ولأن الفصل بين نعته الثاني والثالث بنعت الكتاب بمفرد فقط ليس كالفصل به وبجملة طويلة وقد استدل على تحريم مس خطه للمحدث رواية حريز عمن أخبره من الصادق عليه السلام أمر ابنه إسماعيل يوما بقراءة القرآن فقال لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرء ورواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قرء في المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب و صحيحة علي بن جعفر الآتية عن قريب وقد يستدل أيضا على تحريم خطه برواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال المصح لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه إن الله تعالى يقول لا يمسه إلا المطهرون و لا يخفى أن هذه الرواية تدل على تحريم مس جلده وغلافه أيضا وفيه أيضا دلالة على ما قيل من ارجاع الضمير إلى الكتاب بمعنى المصحف وقد ذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن إدريس إلى جواز مس المحدث خط المصحف على كراهية ويمكن
(٢٩٩)