وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغتار يكون حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا قد توارد إلينا من الأخبار ما لا شك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك أحلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من بين الأدلة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة. فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا.
لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت * ولكن أنت تنفخ في رماد انتهى وكلامه. هذا حسن جدا لا مزية على حسنه جزاه الله خيرا.
وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد في فصل قدوم وفود العرب: وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الاسلام ويجب هدمها، ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها، وللامام أن يقطعها وأوقافها لجند الاسلام ويستعين بها على مصالح المسلمين وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الاسلام وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء من النذور لها والتبرك بها وتقبيلها واستلامها. هذا كان شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه انتهى. (ولا تمثالا) أي صورة ذي روح (إلا طمسته) أي محوته